د.خالد بن صالح المنيف
يحكى أن رجلًا كان يمتلك قدرًا هائلًا من الذهب المدفون في الأرض، وكان يعود إلى الموضع الذي دفنه فيه كل يوم ليلقي نظرةً عليه ويحصيه قطعةً قطعةً. كان يتردد كثيرًا إلى كنزه المدفون لدرجة أن لصًا كان يراقبه واستطاع تخمين أن الرجل يخفي كنزًا, وفي ليلة من الليالي تابعه حتى عرف المخبأ, وبعد أن غادر صاحبنا، حفر اللص بهدوء وأخرج الكنز ولاذ بالفرار.
وعندما اكتشف الرجل خسارته، غرق في الحزن واليأس؛ راح يئن ويتأوه ويصرخ ويمزق شعره.
رآه أحد جيرانه؛ فقال له: «لا تحزن إلى هذا الحد!. ادفن بعض الحجارة في الحفرة وتخيل أنها ذهبٌ؛ ستؤدي الغرض بنفس الكفاءة، لأنك لم تكن تنفق شيئًا من الذهب عندما كان موجودًا”.
- البعض يملك المال ولكن لا يملك حسن التدبير!
- والبعض كلما زاد ماله زاد شحه!
- وهناك من أفنى عمره في جمع المال لغيره!
- وهناك من يتضاعف ماله ومعه يتضاعف همه!
- وهناك من يكثر ماله وتزيد أمراضه!
وما أعظمها من حكمة تلك التي جاءت في المثل الشعبي: «حط فلوسك في الشمس واجلس في الظلال!»
ومعنى المثل أن مهمة المال إراحة صاحبها؛ فالمال لا يكسب لكي يوجع صاحبه!
ولكن البعض -للأسف- يعيش بما هو عكس المثل!
فهو في الشمس وفلوسه في الظلال!
فهو رغم قدرته المادية الجيدة؛ ثيابه رثةٌ، وسيارته متهالكةٌ، ومسكنه ضيقٌ!
وهو كذلك عيش أسرته في مستوى متدن!
وقد سمعت عن الكثير من الأغنياء الذين يتمنى أولادهم رحيلهم؛ بسبب شحهم وتضييقهم على من حولهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله!
روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «إذا آتاك الله مالًا فلير أثر نعمة الله عليك وكرامته».
لا قيمة للمال إذا لم يجود الحياة، ولم تتحسن معه الأحوال، ولم يستمتع به بحدود المعقول!
لا تنتظر مناسبةً؛ حتى تقدم هديةً لأحد الأصدقاء أو الزملاء أو أحد أفراد العائلة، فإنفاق المال على الآخرين قد يجعلك أسعد مما لو أنفقته على نفسك، واحرص على أن تدعو الأصدقاء والزملاء على العشاء من وقت لآخر؛ فهذا يحسن من مزاجهم، ومن مزاجك أيضًا.
- خصص شيئًا من المال لنفسك، بحسب قدراتك لشراء: (ملابس جيدة, ساعة فخمة, قلم جميل!)
- اشتر شيئًا تتمناه من حين لآخر من باب مكافأة النفس!
- لقد حان الوقت لصرف المال الذي جمعته من عرق جبينك في حياتك والتمتع به.
- تناول أحسن وأرقى الأطعمة، واشرب السوائل قدر الاستطاعة، ولا تسرف!
- لا تشتر الرخيص لنفسك وتخص من حولك بالثمين! الغالي الجيد لكم جميعًا وأنت أولًا، بل اشتر دائمًا الأفضل للتمتع به في أيامك الباقية..
اعتن بصناعة اللحظات السعيدة؛ كالاحتفال بمناسبة، والسفر، وغيرها. يمدنا «شراء الخبرات» بكثير من مشاعر السعادة مقارنةً بشراء الأشياء. وشراء الخبرات أو شراء التجارب يعني -ببساطة- الاستمتاع بقضاء أوقات سعيدة مع الآخرين، وهو في هذا يفوق شراء السلع - مهما كانت أهميتها - في تحقيق السعادة؛ فحتى انتظار التجربة الجديدة ربما يكون أكثر سعادةً من شراء السلع المادية، ومن الواضح أن الابتهاج باقتناء الأشياء الجديدة لا يدوم، ويذبل بعد وقت قصير، أما الذي يدوم فهو ذكريات رحلة عاطفية، أو مغامرة قمت بها؛ لذلك احرص على الخروج في رحلات بعيدة كلما سنحت لك الفرصة، فإنها تستحق التجربة!
ابدأ بمن تعول، وأكرم أولادك، استثمر في تعليمهم، في مجمل حياتهم, ولا تنس تخصيص ميزانية للتنزه، أشعرهم بالاكتفاء دون تدليل وإفراط.
كن كريمًا معطاءً, بين حين وآخر ادع أهلك، وكذلك أهل زوجتك لوجبة فاخرة.
أعط محتاجًا, أهد صديقًا, فرح صغيرًا, فاجئ شريك الحياة!
اسمع لما قاله حبيبك، اللهم صل وسلم عليه: «ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان؛ فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقًا خلفًا، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكًا تلفًا»
هناك من الزوجات ممن أكرمهن الله بوظيفة ودخل جيد، وربما كان زوجها يمر بضائقة مادية، أو تحت وطأة دين ثقيل، ومع هذا تجدها تقتر على نفسها وعلى أولادها؛ فالأثاث جدًا قديمٌ، وأجهزة المطبخ في غاية الرداءة! ومع هذا الضيق؛ لا تفكر أبدًا في أن توسع على نفسها وعلى أولادها بحجة أن الزوج هو من يجب أن يفعل، وأيضًا خشية أنه إذا تحسنت أحواله المادية ربما فكر في الزواج عليها!
من البشر من يملك المال، ولكنه ينقصه حسن التدبير، وكما قيل: فإن درهم مال يحتاج لقنطار عقل!
فهو يعيش في حال غير جيدة مردها افتقاره للذوق، أو ضعف تلمس الاحتياجات.
وأقول: العمر قصيرٌ، والأيام تسير بسرعة؛ فخذي حقك من الحياة واستمتعي بأثاث جميل، وأجهزة تريحك، وافعلي هذا لنفسك أولًا! فأنت في حقيقة الأمر المستفيدة الأولى!
وتذكري أن: «اليد العليا خيرٌ من اليد السفلى» واليد العليا: اليد المعطية، اليد السفلى هي اليد السائلة، و الآخذة!