البعض يستخدم سوطًا أشد وجعًا وأعظم ضررًا من سياط الجلادين, وتراه يجلد به ذاته (معنويًا) حيث يمارس أسلوبًا عدوانيًا سيئًا مع نفسه عندما تخطئ أو تزل به قدمٌ، ويتعامل معها بقسوة بالغة وشراسة عجيبة!
فتراه يفرض على نفسه أعتى العقوبات وأشد وسائل التأديب السيئة عنفًا، وهي ما يسمى بجلد الذات!
وأعرف شخصًا ارتكب خطأ قبل سنوات طوال، ومع هذا يقول: «لازلت أمارس يوميًا حفلة جلد لذاتي!»
ووسائل جلد الذات ترتكز على نحو مباشر على تحقير النفس، واستنقاصها، وتشويه المنجزات، وقتل النجاحات، والحديث بعدم الصلاحية وتفضيل كل الناس على النفس!
- فهل تستحق نفسك المسكينة منك كل هذا؟
- ولماذا نجرد أنفسنا من بشريتها؟
- ولماذا نصادر حقها في الخطأ؟ أليس كل ابن آدم خطاؤون!
- ولماذا نتعامل مع ذواتنا وكأننا ملائكة منزهين عن الزلل؟
إن جلد الذات له آثارٌ مدمرة على المدى البعيد؛ فالذي يعتاد على جلد الذات، أو سمه إن شئت تدمير الذات، هو شخصٌ مهزوز من الداخل ضعيف التماسك النفسي، كتلة فشل تتحرك ومفاعل لصناعة وتصدير الكآبة!
والذي يمارس جلد الذات يمارسه بشكل لا واع مع الآخرين؛ فتراه يحطم بشكل مقنن وينتقد بشكل آثم ويجرح بشكل عجيب!
إن الذي يمارس هذا الأسلوب البشع مع نفسه إنما يمارس جريمة عظيمة؛ فأعظم الجرائم هي جريمةٌ لا يعاقب عليها القانون!
وأثرها ليس محدودًا، بل عامًا فتلك الشخصية ستربي أولادًا بذات الأسلوب! ومعها سيصدر للمجتمع عاهات نفسية!
أضر نفسه وأضر غيره!
من طوام جلد الذات أنها تقزم من شخصية صاحبها وتشوه الصورة الذهنية عن الذات؛ ومآل هذه الجريمة أن صاحبها يستحيل لظل بشر وتهبط اهتماماته وتسوء تصرفاته، فهو لا يرى نفسه أهلًا لمعالي الأمور وشريف السلوكيات؛ لذا تراه لا يجد حرجًا من ارتكاب أقبح وأدنى التصرفات وأن يسلك أقذر المسالك!
إن الإنسان الذي يثق بنفسه، ويتوقع منها العطاء، ويعلق عليها آمالًا عريضة هو من سيصنع الحياة الجميلة وسيعمر الأرض وسيزرع الخير!
وقد كان أحد العظماء يوصي خادمه إذا أراد أن ينبهه وقت الاستيقاظ أن يقول له: «سيدي، قم فإن لديك مهام عظيمة ستقدمها للبشرية اليوم!»
وما أروع حديث لاعبة الجمباز أمريكية (شانون ) عندما قالت: «ربما لم يعلق الآخرون آمالًا عريضة علي، ولكنني أعلق آمالًا عريضةً على نفسي!» ولا عجب؛ فهي أكثر لاعبة نالت ميداليات في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية!
وحتى على مستوى المجتمعات والدول، فجلد الذات وتقريع الشعوب وتوبيخ الناس لن يجنى منه صلاحٌ ولا تقدمٌ!
أما آن لنا أن نحتضن أنفسنا ونداوي جراحها!؟ فإن الاستسلام والتفاعل مع الحديث السلبي الداخلي، والجنوح لجلد الذات لن يطهرنا من مشاعر الألم، بل سيعمل على مضاعفتها؛ لذا فليكن تركيزك على مستقبلك مستعينًا متوكلًا على خالقك!
سأتحدث لاحقًا عن وصفات لتجنب هذا الطبع، والعيش بسلام مع النفس!