د.سالم الكتبي
عندما يتحدث قادة السياسة عن «خندق واحد» يضم دولتين وشعبين، فهم بالتأكيد يقصدون تجسيد فكرة الوحدة والتوحّد وقوة الوشائج متمثلة في الروابط والمصالح والمصير المشترك بين شعبين أو دولتين، أو أكثر، وقد كانت تصريحات صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة خلال زيارة سموه مؤخراً للمملكة العربية السعودية ذات دلالة في هذا الشأن ليس لكونها التعبير الأول عمَّا يربط القيادتين والشعبين الإماراتي والسعودي من صلات عميقة، ولكن لأن هذا التصريح المهم قد جاء في توقيت بالغ الأهمية، حيث سعى بعض المتآمرين والحاقدين والمدبرين للشر في منطقتنا للتأثير سلباً في علاقات التحالف بين البلدين الشقيقين، واستغلال المتغيِّرات الراهنة في إحداث شقاق بين الحليفين والشريكين الإستراتيجيين الأكثر تقارباً في منطقتنا والعالم العربي.
من تابع مسار العلاقات الإماراتية - السعودية في السنوات الأخيرة يدرك جيداً أن التحالف بين البلدين لم يقم على أسس مرحلية أو تكتيكية كي يمكن توقّع انتهائه بمجرد تحقق أهداف إستراتيجية قصيرة المدى، بل قام على ثوابت ورؤية إستراتيجية بعيدة المدى للمصالح والتحديات والتهديدات التي تواجه أمن البلدين وشعبيهما ومصالحهما الوطنية، وهو ما أكده صاحب السمو ولي عهد أبوظبي حين قال: «دولة الإمارات العربية المتحدة ستظل دائماً في خندق واحد مع أشقائها السعوديين لأن لديها إيماناً مطلقاً بوحدة الهدف والمصير»، فالحديث هنا واضح لا يحتاج إلى تفسير أو تأويل، ففكرة الإيمان المطلق بوحدة الهدف والمصير هي فكرة قاطعة لأي شك أو ظنون، والتأكيد على البقاء في نفس الخندق من دون تحديد لهدف مرحلي أو تكتيكي يتعلق بالأزمة في اليمن أو غيرها يؤكد امتداد التحالف واستمراره بذات النهج الإستراتيجي في مواجهة أي تهديدات قائمة أو محتملة.
هذه الرؤية المشتركة للتحالف الإماراتي - السعودي تتقاسمها قيادتا البلدين الشقيقين، وقد عبّر عنها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود خلال استقباله صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، حين أشاد بمتانة العلاقات الأخوية بين البلدين وشعبيهما الشقيقين، وعبّر عن تحياته إلى أخيه صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة - حفظه الله - وتمنياته له موفور الصحة والعافية ولدولة الإمارات دوام التطور والرفعة.
العلاقات بين الإمارات والسعودية في إطار التحليل السياسي قائمة على أسس عدة، أولها الرؤية المشتركة لمصادر الخطر والتهديد التي تواجه الأمن الخليجي والعربي منذ عام 2011، فلولا تحرك البلدين بشكل حازم وفاعل وصارم في ملفات إقليمية عدة، وما قدماه وبذلاه، من جهود وتضحيات مادية وبشرية لكان للمنطقة العربية شأن آخر من الفوضى والاضطرابات والتفكك والانهيارات، التي كان يمكن أن تنتج واقعاً جيوإستراتيجياً مغايراً ويتسبب في كوارث هائلة للشعوب العربية. وفي هذا الإطار أكد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان أن علاقات البلدين الشقيقين تعد نموذجاً لما يجب أن تكون عليه العلاقة بين الدول ومثالاً على الوعي المشترك بطبيعة المتغيِّرات الإقليمية والدولية المحيطة وأهمية التعامل معها بسياسات ومواقف حكيمة ومتسقة، وشدد سموه على دور المملكة المحوري في التصدي للمخاطر التي تهدّد العالم العربي، معرباً سموه عن ثقته في أن المملكة -بحكمة قيادتها وصلابة شعبها- ستستمر في أداء هذا الدور من أجل صيانة المصالح العربية.
ثاني هذه الأسس التعاون والتضامن والتنسيق المشترك في المجالات كافة بما يحقق مصالحهما المشتركة ويسهم في تعزيز التنمية والازدهار والاستقرار لشعوب المنطقة ودولها، فالقواسم المشترك التي باتت تجمع البلدين فيما يتعلق بالتنمية وصناعة المستقبل باتت تتنامى يوماً بعد آخر، في ظل رؤية المملكة 2030، التي أطلقها ولي العهد صاحب السمو الأمير محمد بن سلمان، ورؤيتي 2021 ومئوية الإمارات 2071، اللتان قطعت فيهما الإمارات شوطاً كبيراً، وهذه الرؤى الإستراتيجية ستعيد في مجملها رسم خارطة منطقة الخليج العربي، تنموياً واقتصادياً وصناعياً وثقافياً وحضارياً، وهو ما أكده صاحب السمو ولي عهد أبوظبي بقوله إن تحالف البلدين يستهدف توفير أسباب التقدم والتنمية لشعوب المنطقة.
ثالث هذه الأسس توافق الرؤى حول مجمل القضايا الإقليمية والدولية، وهذا ما أكّد عليه صاحب السمو ولي عهد أبوظبي بقوله: «إن علاقات البلدين الشقيقين تعد نموذجاً لما يجب أن تكون عليه العلاقة بين الدول ومثالاً على الوعي المشترك بطبيعة المتغيّرات الإقليمية والدولية المحيطة وأهمية التعامل معها بسياسات ومواقف حكيمة ومتسقة».
ربما جاء استدعاء مفهوم «الخندق الواحد» كخير تعبير عن صمود التحالف الإماراتي السعودي في مواجهة الفتن والاضطرابات والمؤامرات، ولكنه في حقيقة الأمر تعبير عن واقع الحال، فأبناء الإمارات وأشقاؤهم السعوديون بالفعل في خندق واحد في جبهات اليمن يواجهون التحديات ويقدمون العون للأشقاء في هذا البلد، ومن ثم فحين تمتزج التضحيات والدماء يبدو الحديث عن الأخوة في السياسة والإستراتيجية مسألة بديهية.
هذه الزيارة جاءت في وقتها لتمثِّل صفعة قوية لرهانات المتآمرين في الدوحة وإيران وغيرهما من العواصم التي أرادت بالبلدين الشقيقين الشر سوء النوايا، فكانت الزيارة أبلغ رد على هؤلاء المتآمرين الحاقدين، ورسالة للجميع بأن الإمارات والسعودية لن تحيدا عن مبدأهما في البقاء داخل خندق واحد في مواجهة كل تهديد وأي تحد يواجه شعبيهما وبقية الشعوب الخليجية والعربية.