زكية إبراهيم الحجي
هل نحن مجتمع قارئ؟ سؤال استنكاري كثيراً ما يُثار في الأوساط المجتمعية والثقافية دون أن يحصل إجماع في الإجابة عنه بشكلٍ مقنع.. أنا أقرأ.. هو يقرأ.. هي تقرأ.. هل فعلاً ما زال الكتاب خير جليس لنا كما كان يردده معلمونا على مسامعنا عندما كنا على مقاعد الدراسة أم فقدت القراءة مكانتها في حياتنا.. وإذا كنا نقرأ فماذا نقرأ ولماذا نقرأ وما هو تأثير القراءة على ثقافتنا.. أما السؤال الأهم فهو ما سبب عزوف غالبية الجيل الحالي عن القراءة.
رغم تعدد مصادر المعرفة في العصر الحاضر إلا أن الكتاب ما زال يشكل أهم مصدر من مصادر الإشعاع المعرفي والعلمي والثقافي في أي مجتمع من المجتمعات ولا مناص في ذلك.. كما أنه ما زال يحتفظ بقدرة فائقة على جذب أنظار كل من حظي بنعمة حب القراءة واعتبرها من طقوس حياته التي لا غنى له عنها.
إن كل من حظي بنعمة القراءة كان يدرك قيمة الكتاب في حياته وأن القراءة سمة من سمات المثقف الواعي والأمم المتحضرة يحث عليها الملهمون من الأوائل.. فهذا الكاتب عباس محمود العقاد يذكر بأن القراءة وحدها هي التي تعطي الإنسان الواحد أكثر من حياة واحدة لأنها تزيد هذه الحياة عمقاً.. وهذا ألبرتو مانغويل الروائي الشهير ومؤلف كتاب تاريخ القراءة يقدم عذراً لعزلته بقوله: لقد أعطتني القراءة عذراً مقبولاً لعزلتي.. بل ربما أعطت مغزى لتلك العزلة المفروضة عليَّ.. ولا يمنع أن نُعَرج على أعز أصدقاء الرئيس السادس عشر لأمريكا أبراهام لينكون حيث يعتبر أن: أعز صديق له هو الشخص الذي يمنحه كتاباً لم يقرأه.. هذا هو حالهم وهم كثر.. رموز عالمية تعرف ماذا تقرأ ولماذا تقرأ.. رموز أدركت أن القراءة نافذة على العالم الذي يعيش فيه تمنحه العديد من الفرص لأن يعيش تجارب الآخرين ويستفيد منها.. تجعله يرى الأمور والأحداث والمواقف من مختلف وجهات النظر بعيداً عن وجهة نظر كان يؤمن بها لكنها تغيرت بفعل القراءة، من هنا ندرك مدى تأثير القراءة على ثقافتنا وحياتنا بشكل عام.
القراءة وسيلة من وسائل كسب المعرفة تمكن الإنسان من الاتصال المباشر بالمعارف الإنسانية في حاضرها وماضيها، هي مبدأ ثقافة وينبوع معرفة وأداة لنضج الشخصية، ورغم ذلك نجد عزوفاً عنها من غالبية أفراد المجتمع وخاصة جيل الشباب.. حقيقة نحن لا نحتاج إلى عرض إحصاءات ودراسات لنثبت أن قلة من أفراد المجتمع يهوى القراءة.. ويحرص أن لا يمر يومه دون أن يقرأ أو ينهي قراءة كتاب أو رواية أو مجلة علمية أو ثقافية.
إن ظاهرة العزوف عن القراءة ظاهرة راسخة في الأذهان خاصة في أذهان الكثير من الشباب وتحتاج إلى وقفة نركز فيها على أسباب تلك الظاهرة والأسباب كثيرة منها.. قلة الوعي لدى العديد بأهمية القراءة لبناء الإنسان المثقف وغياب مفهوم التثقيف الذاتي.. غياب دور الأسرة التي تعتبر نواة المجتمع في صنع توجه وقناعة الأبناء وعدم قدرة بعض الآباء على خلق الولع بالقراءة لدى الأبناء.. الابن الذي ينشأ في بيت به مكتبة عامرة وأبوين قارئين يختلف عن ذلك الذي ينشأ بين أبوين لا يعطيان القراءة أهمية وبيتهم يخلو من كتاب.. والأهم من ذلك مناهج التعليم المعتمدة على عملية التلقين والحفظ ما يجعل الطالب يشعر بالملل إلى حد كراهية الكتاب وبالتالي ينفر من القراءة، يضاف إلى ذلك تضييع الوقت عبر مواقع التواصل الاجتماعي وبالتالي الادعاء بعدم امتلاك الوقت للقراءة.. أسباب ظاهرة العزوف عن القراءة كثيرة لا تسمح هذه المساحة لسردها ولكن أتأمل أن ندرك أهمية القراءة وأن تنال حظها من التشجيع والإقبال عليها.. وأن نربي الناشئة على فعل القراءة لكي نبني مجتمعاً قارئاً.