أ.د.عثمان بن صالح العامر
من الأحكام التي قطع بها الرب، وجعلها جزءًا أساساً من الدين (القصاص)، إذ جاء النص على مشروعيته بحق القاتل العمد في كتاب الله الكريم {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (179) سورة البقرة، مبيناً سبحانه وتعالى أن في تنفيذ هذا الأمر (حياة)، نكرة في سياق العموم، وكأن الله عز وجل جعل الشيء يتحقق حين يوجد نقيضه، فحياة الناس، الشعوب، الأمة، القبائل، العوائل، الأسر والأفراد لا يمكن أن تكون حياة آمنة وطبيعية إلا إذا أقيم هذا الحد الشرعي على من يستحق.
ومع وضوح هذه الحقيقة وتجليها عياناً بياناً في تاريخ أمة الإسلام فإن هناك من يعتقد أن في هذا الحكم هضما لحق من حقوق الإنسان ألا وهو (حق الحياة)، ولذا يقترح الاستعاضة عنه بالسجن مدى الحياة مع الأشغال الشاقة مثلاً، وغاب عن ذهنية هذا المنافح عن حق هذا الإنسان أن الجاني القاتل هو من أهدر حقه في البقاء على قيد الحياة بنفسه، بل هو من منع قاتله من التمتع بالبقاء حياً في هذه الدنيا أصلاً، وأن في القصاص قطعا للثارات التي كانت وما زالت بين أهل الدم بعضهم مع بعض، وقبل هذا وذلك أن الخالق للإنسان هو الله، وأن من شرع هذا الحكم وقضى به هو الله، وأنه سبحانه أعلم وأحكم فيما سنه من أحكام للبشرية تصلح لكل زمان ومكان ولا يمكن لبشر مهما كان مستوى إدراكه وإخلاصه وصدقه في سن النظم والقوانين أن يكون ما جاء به محققاً الاستقرار المجتمعي والأمن الإنساني كما هو في تشريع الرب المحفوظ إلى يوم الدين.
إنك عندما تسمع بياناً من مقام وزارة الداخلية عن تنفيذ القصاص حداً بقاتل قتل عمدا، أو مفسد في الأرض ومحارب لله ورسوله، أو تعزيراً حسب ما يراه القضاء ويمضيه الإمام بما يرى فيه مصلحة عامة متحققة جزماً ويكون من الجرائم الكبرى ذات المساس بالأمن العام ووحدة الكيان واستقراره، أقول إنك حين تسمع بهذا الخبر تُسر وتسعد ليس من باب التشفي والنكاية ولكن لأنك تجزم بأن في هذا تطبيقا لشرع الله الذي فيه الحياة لنا جميعاً حاضراً ومستقبلاً بإذن الله.
لقد كان الكل ينتظر القصاص من قاتل ابن عمه وهو يستنجد به ويكرر عبارته المشهورة (تكفى يا سعد)، تلك الجريمة التي هزت المجتمع السعودي بأسره في يوم عيدهم، وكثرت حولها التساؤلات والتكهنات جراء مبايعة سعد هذا تنظيم داعش الإرهابي، وتصويره لهذا المشهد الدموي المأساوي ونشره في الآفاق عبر وسائل التواصل الاجتماعي!!!
يوم الثلاثاء الماضي 4-3-1440هـ أصدرت وزارة الداخلية بيانا بشأن تنفيذ حكم القتل حدا في هذا الجاني المذكور أعلاه، وذلك لخروجه على ولي الأمر، وتكفيره له ولرجال الأمن، ومبايعته لتنظيم «داعش» الإرهابي، وارتكاب عدد من الجرائم الإرهابية، منها استدراج ابن عمه إلى منطقة صحراوية وقتله، وكذلك قتله مواطنا ورجل أمن، واشتراكه في قتل رجل أمن آخر، ومقاومته لرجال الأمن.
وأوضحت الداخلية أن سلطات الأمن تمكنت من القبض على الجاني المذكور وأسفر التحقيق معه عن توجيه الاتهام إليه بارتكاب تلك الجرائم، وبإحالته إلى المحكمة الجزائية المتخصصة صدر بحقه صك يقضي بثبوت ما نسب إليه، ولأن ما قام به المدعى عليه فعل محرم وضرب من ضروب الحرابة والإفساد في الأرض، حكم عليه بإقامة حد الحرابة، وأن يكون ذلك بقتله، وأيد الحكم من محكمة الاستئناف المتخصصة ومن المحكمة العليا، وصدر أمر ملكي بإنفاذ ما تقرر شرعا وأيد من مرجعه بحق الجاني المذكور، وجرى تنفيذ حكم القتل حدا بالجاني أمس في حائل.
أدعو القارئ الكريم إلى إعادة قراءة هذا البيان والتأمل فيه والذي حرصت أن أورده كما جاء (قبض، تحقيق، محاكمة متخصصة، صدور صك من هذه المحكمة، تأييد من محكمة استئناف متخصصة كذلك، محكمة عليا، صدور أمر ملكي) بصدق حُق لكل سعودي ومقيم مسلم والحال هذه أن يفخر بهذه البلاد المباركة المملكة العربية السعودية التي تقيم الحدود الشرعية على منهج إسلامي صرف، وليس هذا في غير وطن الأمن والأمان وموطن السلام والإسلام أرض الحرمين الشريفين حفظها الله ورعاها. ودمت عزيزاً يا وطني، وإلى لقاء والسلام.