محمد بن عبدالعزيز التويجري
عندما كتب معالي وزير التعليم الدكتور أحمد العيسى كتابه حول التعليم العام، جاء دعم الدكتور غازي القصيبي -رحمه الله- له بدعوة القائمين على التعليم بقراءة ذلك الكتاب. ولو كنت في المقام الذي يسمح لي لطالبت معالي وزير التعليم وجميع مدراء الجامعات ومسؤولي التعليم العالي بقراءة كتاب الدكتور محمد الخازم «جامعة 2030» فهذا الكتاب رغم تقليدية العنوان وعدم جاذبيته -مع تقديري للمؤلف في هذا الشأن- يطرح فكراً مختلفاً، فكر يأتي من خارج الصندوق أو من خارج (الباراديام) التقليدي، وأصنفه بامتياز كأحد أفضل الكتب التي تقدم نظرة تقنية مختلفة لمستقبل التعليم العالي السعودي. وفي كل فصل أو فقرة من هذا الكتاب تجد فكرة مختلفة وكل فكرة تستحق النقاش والبحث من قبل المعنيين بالتعليم الجامعي.
كثيرون يطرحون فكرة استقلالية الجامعة السعودية على المستوى المالي ولكن هذا الكتاب هو الوحيد الذي طرح تصوراً واضحاً لكيفية استقلال الجامعة وفي نفس الوقت الاستفادة من دعم الدولة لها عبر طرح نموذج مختلف لصياغة ميزانية الجامعات وهو الذي طرح نموذجاً لتأسيس بنية تطوير الموارد الذاتية للجامعة. مسؤولو التعليم العالي يشيرون إلى احتمالية تحويل وظائف أعضاء هيئة التدريس إلى عقود، وأعضاء هيئة التدريس بين مؤيد ومعارض دون فهم واضح للآلية والتفاصيل، وحده د. الخازم شرح لنا في هذا الكتاب ماذا يعني ذلك وما هي الإيجابيات والسلبيات وبعض مقترحات نجاح التطبيق. وهذا ما يميز كتاب جامعة 2030 كونه يطرح رؤية خبير لا يكتفي بإثارة المشكلة ولا يسهب في الأدبيات الأكاديمية المملة، وكأني به يقول للمعنيين هذه فكرة أو رؤية وعليكم مناقشتها وإكمال متطلبات تنفيذها.
في مواضيع مثل الحوكمة ومجالس الأمناء وباعتبارها مفاهيم حديثة نجد الكاتب يقدم إضافة تثقيفية حول معانيها ومفاهيمها في الجامعات العالمية. وهذه أيضاً ميزة أخرى للكتاب هي أنه يختار نماذج عالمية يراها تستحق الدراسة مثل النموذج الأكاديمي أو مثل نموذج الحوكمة أو نموذج التعليم العالي الدولي أو غيرها من المفاهيم. أي أنه ينطلق من تحليل الواقع المحلي ويقدم أفكارًا لإصلاحه وبعضها يستند على خبرة عملية كخبرته في نظام وظائف العقود بوزارة الصحة أو خبرته في تأسيس كليات حديثة أو في عمله مديراً للتخطيط في مدينة الملك فهد الطبية في سنتها الأولى. كما ينطلق من استحضار تجارب عالمية مقاربة ومشابهة وهو فضلاً عن ثقافته ودراسته في الخارج عمل بالملحقيات الثقافية السعودية في كندا والولايات المتحدة الأمريكية.
كل فصل في الكتاب شكّل موضوعًا مستقلاً ويستحق كتابًا بذاته، ومن الصعوبة بمكان استعراضها جميعاً، لكنني ألقي الضوء على بعض منها. لا أحد في جامعاتنا يستوعب مفهوم المسؤولية الاجتماعية وقد كنت مهتماً بها دون فهم واضح لأنه لا أحد يقدم لي تعريفاً مبسطاً واضحاً. في هذا الكتاب ومن خلال جملة واحدة فهمت معنى المسؤولية الاجتماعية وكيف يمكن تنظيم المفهوم عبر أعمال منظمة سهل فهمها. ورغم ذلك أشير إلى اعتراض أحد الأكاديميين على تعريف الكتاب للمفهوم. هؤلاء الأكاديميون يركزون على الصرامة العلمية في كل كلمة تكتب وينسون نقاش الفكرة والمفهوم، لذا أحذرهم؛ لا تقتلوا الأفكار والرؤى المطروحة من خلال نقدكم الأكاديمي. هذا الكتاب يقدم أفكاراً عملية عظيمة وكثير منها يستشرق المستقبل ويجب أن يؤخذ على محمل الجد من قبل القائمين على التعليم العالي، فعلى سبيل المثال حينما يطرح مخاوف حول الكليات الأهلية فهو يستشرق المستقبل ويحذر من انهيار بعض الكليات مستقبلاً لأنها غير مستقلة مالياً عن الكيانات التجارية التي قامت بتأسيسها. وحده الخبير بأحوال الكليات الأهلية يستشرق مستقبلها، ويشير إلى الحقيقة بأن الكليات الأهلية عبارة عن صناديق مغلقة مالياً ولا يوجد لها استقلالية في المقرات والموارد وبالتالي هي عرضة لمخاطر مستقبلية حقيقية وفكرة تسجيلها ككيانات تجارية مستقلة سيعزز حوكمتها المالية وسيتيح لها دخول سوق المال وتطوير آليات محاسبتها.
الجميع يتحدث عن تنصيف الجامعات إلى بحثية وتدريسية وتطبيقية ولكن كما هو الخازم لا ينساق للتفكير الجمعي ويقدم أفكارًا مختلفة فإنه يقدم رؤية مختلفة للتصنيف ومعه حق في ذلك، فكيف نصنف الجامعات ومدخلاتها من أعضاء هيئة التدريس واحدة وطريقة تقييمهم وترقياتهم واحدة ورواتبهم موحدة. أعجبني تصنيفه للجامعات وفكرة كونه تصنيفًا مؤقت يتيح لكل جامعة تطوير هويتها على المدى المستقبلي كبحثية أو تعليمية أو تطبيقية.
بعض الأفكار المطروحة سبق للمؤلف أن طرحها هنا أو هناك لكن تضمينها في كتاب بشكل مفصل ومرتب منحها قوة أكبر، وأكرر ما بدأت به، أتمنى من مدراء الجامعات قراءة هذا الكتاب والتوسع في نقاش محتوياته. وأرجو من وزارة التعليم دعم مثل هذه المؤلفات القيمة والمساعدة على نشرها ونقاشها حتى ولو احتوت أفكارًا لا نتفق معها، فهي وزارة تعليم وبحث علمي تهتم لفتح آفاق النقاش قدر المستطاع مع مختلف النخب الفكرية. وأضيف بأن الفكر الذي يطرحه د. الخازم جدير بالنقاش في مؤتمرات التعليم العالي التي تعقد سنوياً...
شكراً للدكتور محمد الخازم على هذا المؤلف القيم الذي منحني أفكارًا جديدة خارج الأفكار المعلبة التي يرددها البعض، وشكراً لجريدة الجزيرة على إتاحة الفرصة لي للتعليق عليه بهذه المقالة المختصرة.