ماجدة السويِّح
تعرضت شركة ستاربكس منذ سنوات لانتقادات واسعة ومتكررة من قبل ذوي الاحتياجات الخاصة من فئة الصم والبكم في أمريكا.
أولى الانتقادات التي طالتها كانت عام 2013 من قبل مجموعة من الصم، الذين اعتادوا على الاجتماع الدوري في المحل للقاء بعضهم البعض، والتشاور حول بعض الموضوعات التي تخصهم، إلا أن اجتماعهم المعتاد لم يكتمل، بسبب طلب إحدى الموظفات منهم عدم العودة مجددا، لأن وجودهم مزعج وغير مرغوب فيه.
المجموعة المتضررة لجأت لمحامي لرفع دعوى على الشركة التي انتهكت حقا من حقوقهم في المجتمع الأمريكي. وتوالت بعد ذلك الشكاوى من العملاء من ذوي الاحتياجات الخاصة حول تعرضهم للإهانة، أو الإهمال أو عدم التجاوب مع طلباتهم.
لم تلبث أن هدأت تبعات تلك القضايا حتى ظهرت حادثة أكبر في حق العاملين من ذوي الاحتياجات الخاصة عام 2015 . العاملة المتضررة رفعت قضية على الشركة، لرفضها توفير مترجم فوري للغة الإشارة، لحضور اجتماعات العاملين ومناسباتهم الدورية، وهو حق تكفله الشركة لذوي الاحتياجات الخاصة للاندماج في بيئة العمل.
العاملة المتضررة لم تتلق جوابا شافيا من الشركة مما دفعها لرفع القضية، لتبرز قضايا أخرى من نفس النوع في فروع أخرى . أثارت القضية رد فعل الجمعيات المهتمة بالصم، ودفعت الإدارة لإصدار بيان توضيحي باهتمامهم بذوي الاحتياجات، والتشديد على حقوقهم في بيئة العمل.
الحوادث المتتابعة على مدى سنوات متفرقة كانت كفيلة بنشر صورة سلبية عن ستاربكس، الذي يضطهد العاملين والعملاء الصم.
الصورة السلبية تطلبت من الشركة العمل على مشاريع نوعية لتحسين صورتها أمام الجمهور، الذي تابع بعضا من القضايا على سنوات، وبنى صورة ذهنية مشوهة.
أولى هذه الخطوات التصحيحية كانت بتوفير شاشة في مسار طلبات السيارات للتواصل المباشر لمن يعانون من الإعاقة السمعية عام 2017، فلغة الإشارة يتم توفيرها عن طريق الشاشة للتواصل مع عامل الطلبات بالإشارة.
الإعلان الذي رافق هذه الخدمة كان مؤثرا وفاعلا، حينما قامت إحدى العميلات ممن تعاني من الصم والبكم بتصوير مقطع فيديو لتجربتها في الطلب من مسار السيارات، وحين فشلت في الرد على الموظف، ظهرت لها صورة الموظفة على شاشة الطلبات للتواصل بلغة الإشارة. الفيديو لاقى صدا عالميا إيجابيا في وسائل الإعلام، وفي الشبكات الاجتماعية .
في العاصمة واشنطن هذا العام 2018 احتفلت ستاربكس بافتتاح أول فرع بلغة الإشارة، جميع العاملين فيه يتقنون لغة الإشارة، وغالبيتهم من ذوي الاحتياجات الخاصة. يوفر المقهى مجتمعا منوعًا وفريدا من نوعه لذوي الاحتياجات الخاصة من فئة الصم والبكم ولجميع الناس.
الهدف من إنشائه كان لدمج وتسهيل التواصل مع ذوي الاحتياجات الخاصة، وخلق مجالات أوسع وأرحب للعاملين، والعملاء الذي احتفوا بالتطور الملحوظ لتعامل ستاربكس مع فئة الصم والبكم.
أخيرا.. إعادة الثقة وتحسين السمعة مهمة ليست بالمستحيلة، بل هي من المهام الأساسية لفريق العلاقات العامة الذي بذل جهدا مضاعفا بلا شك في التعامل الإيجابي مع مجتمع الصم والبكم .
درس مهم برز في تجربة ستاربكس حينما قررت التوجه لمجتمع الصم والبكم، التحسين يستلزم الصبر، والعمل الدوؤب قد يستغرق سنوات للخروج من دائرة الاتهام بالتمييز، فالعمل المبهر في الخدمات الجديدة والاهتمام بمجتمع الصم استغرق وقتا طويلا، لكن بالمقابل خرج بأفكار إبداعية وفريدة عالميا، لمحو كل صورة مشوهة عن علاقتها بمجتمع الصم.