عمرو أبوالعطا
في منطقة كومبين فورست قبل 100 عام، وقّع وفدا فرنسا وألمانيا اتفاق الهدنة في الحادي عشر من نوفمبر في حدود الساعة الخامسة وأربعين دقيقة صباحاً الذي أنهى الحرب العالمية الأولى، وهي تُعرف على أنّها حرب عالمية قامت بين أقوى الدول الأوروبية في الثامن والعشرين من شهر يوليو للعام 1914م، وانتهت في الحادي عشر من نوفمبر للعام 1918م، وبدايةً سمّيت بالحرب العالمية وثمّ بالحرب العظمى، إلى أن تغيّر الاسم نتيجة وقوع الحرب العالمية الثانية، وقد أطلق الناس في الولايات في المتحدة الأمريكية عليها اسم الحرب الأوروبية، وقد قدّرت خسائرها ملايين القتلى والمصابين، وهي أحد أكثر الصراعات العالمية والتاريخية عنفاً، والتي نتج عنها مجموعة من التغيّرات السياسية في كثيرٍ من الدول، كقيام الثورات.
سار قادة نحو 70 دولة الأحد جنباً إلى جنب في جادة الشانزليزيه بالعاصمة الفرنسية باريس لإحياء الذكرى الـ(100) لنهاية الحرب العالمية الأولى في مراسم تخللها هطول أمطار غزيرة.
ومن بين الحضور الرئيس الأميركي دونالد ترمب ونظرائه الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان، والمستشارة الألمانية أنغيلا ميركل والعاهل المغربي محمد السادس ورئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو.
يُعتبر مقتل الرئيس النمساويّ (فرانتس فرديناند) وزوجته (صوفي)، هو السبب وراء اندلاع الحرب العالمية العالمية الأولى، وكانت حادثة الاغتيال بتاريخ 28 يونيو 1914م، وكانت هذه الحادثة الشنيعة أثناء زيارته إلى مدينة سراييفو الموجودة في إقليم البوسنة والهرسك، ويُذكر أنَّ الاغتيال كان على يد شخص صربيّ.
كان العدد الكلي للإصابات والقتلى في صفوف العسكريين والمدنيين في الحرب العالمية الأولى أكثر من 37 مليون نسمة. مقسمة إلى 16 مليون حالة وفاة و20 مليون إصابة مما يجعله من أكثر الصراعات دموية بعد الحرب العالمية الثانية في تاريخ البشرية. يتضمن العدد الإجمالي للوفيات حوالي 10 مليون عسكري وحوالي 7 ملايين مدني، فقدت قوى الحلفاء حوالي 6 ملايين جندي بينما خسرت قوى المحور 4 ملايين جندي. واثنين مليونين على الأقل ماتوا بسبب الأمراض و6 ملايين في عداد المفقودين، ونحو ثلثي قتلى الجنود كانت في المعارك.
أشار المؤرِّخ إرتسبيرغر إلى أنه خلال رحلته عبر بلجيكا وفرنسا، استطاع تشكيل صورة خاصة عن حجم الدمار والخراب، الذي خلفته الحرب العالمية، وعن ذلك يقول: «لم يكن هناك بيت واحد سالم من الخراب، خراب يتبعه خراب». ويضيف: «تحت ضوء القمر تتناثر بقايا الدمار في الهواء، ولا يظهر أي أثر للحياة». إرتسبيرغر أوجز الأسباب وراء الحرب المدمرة، التي لم يسبق لها مثيل، قد أدى التقدم التكنولوجي والتصنيع إلى إنشاء ترسانة من الأسلحة تفوق أي شيء كان يُنظر إليه من قبل من حيث الكمية والنوعية: الدبابات التي لا يمكن تدميرها، والقوارب التي تعمل في مناورة الغواصات والمدفعية العملاقة المدى والغازات المميتة، كما يرى المؤرِّخ الألماني.
وقال المؤرِّخ الفرنسي جان ايف لوناور «إن أوروبا أصبحت مقبرة شاسعة. وما خلفته الحرب كان على الصعيد المعنوي أقوى بكثير مما هو على الصعيد الاقتصادي. فخلافاً لـ 1944 و1945 ، حيث كان هناك أمل في المستقبل، وفي عالم جديد، حصل في العام 1919 شلل تحت عبء القتلى». «فالموت عم في كل مكان . كل شيء غرق في السواد وبات هناك حداد كبير على قتلى اعتبروا رسمياً أبطالاً» على قوله.
ويصنف الجندي الأميركي هنري غانثر - 23 عاماً - كآخر جندي قتل خلال الحرب العالمية الأولى فخلال الدقائق الأخيرة للحرب حاول غانثر ورفاقه التقدم صوب عدد من الجنود الألمان المزوّدين برشاشتين وبالتزامن مع ذلك أقدم الجنود الألمان على إطلاق أعيرة نارية في الهواء لإجبار الأميركيين على الابتعاد لتجنب سقوط ضحايا قبل لحظات من دخول قرار وقف إطلاق النار حيز التنفيذ.
بعد نهاية الحرب، تغيّرت الإمبراطوريات في روسيا وألمانيا والنمسا والمجر وتركيا، وفرضت بريطانيا وفرنسا وأمريكا شروطها في سلسلة المعاهدات التي تم الاتفاق عليها في مؤتمر باريس للسلام عام 1919. وتشكلت عصبة الأمم لمنع اندلاع حرب عالمية أخرى، لكنها فشلت مما ساعد على صعود الحزب النازي في ألمانيا ونشوب الحرب العالمية الثانية.
قد يكون من المستبعد اليوم أن تنشب حرب «عالمية ثالثة»، بعد أن انقضى قرن على انتهاء الحرب العالمية الأولى و73 عاماً على انتهاء الحرب العالمية الثانية, خلال هذه الأيام حُلّت مشاكل كثيرة فيما بقيت وتعاظمت مشاكل أخرى. لكنْ من شبه المؤكد أننا سوف نعيش، حروباً متفاوتة الطبيعة والحجم، بينما يبدو العالم أضعف من أي وقت سابق في قدرته على وقفها.