د. فوزية البكر
تمر بنا هذا الأسبوع الذكرى المئوية للحرب العالمية الأولى التي تعد من أكثر الجرائم البشرية بشاعة بعد الحرب العالمية الثانية، إذ أفنت هذه الحرب 16 مليون إنسان كما خلفت مليوني مشوه ومعاق واعتبر 6 ملايين إنسان من بين المفقودين هذا عدا ملايين النساء اللاتي ترملن، كما تفشّت الأزمات الاجتماعية والاقتصادية بسبب فقد نظام العائلة وتزايد أعداد النساء مقابل الرجال الذين قتلوا في الحرب, ارتفاع أعداد المشردين والمرضى النفسيين بدرجة ساهمت في إفساد الحياة العامة والخاصة لأوروبا وسكانها وكأن هذا لم يكن كافياً، إذ لم تتعلّم هذه الدول الدروس المروّعة لحربهم الأولى لتنشب الأفظع منها بعد حوالي 24 عاماً وهي الحرب العالمية الثانية ويقتل فيها هذه المرة أكثر من 60 مليون إنسان بسبب الاكتشافات الخطيرة في مجال السلاح والتقنية بما فيها استخدام الأسلحة النووية على هيروشيما ونجازاكي في اليابان.
كيف حدثت الحرب العالمية الأولى ولماذا؟ في بداية القرن العشرين وكما يحدث الآن في الشرق الأوسط كانت كل دولة في أوروبا تعد الجيوش والعتاد لتمنع الدول الأخرى من مهاجمتها لكن فكرة الاحتماء بالقوة العسكرية انهارت بين دول أوروبا حينما قام أحد الصرب بقتل دوق الإمبراطورية النمساوية عام 1914 وهو ما دفع النمسا لإعلان الحرب ضد صربيا رداً على الاغتيال فتدخلت روسيا لمساعدة صربيا فقررت ألمانيا التدخل لوقف روسيا لكن فجأة قرّرت فرنسا مواجهة ألمانيا لتدخلها لكن ألمانيا رتبت هجوماً مضاداً واحتلت البلد الأصغر المجاور لفرنسا وهو بلجيكا وهذا دفع الدولة التي لا تغيب عنها الشمس آنذاك بريطانيا العظمى لإعلان الحرب على ألمانيا لوقف هجومها وهكذا خاضت معظم دول أوروبا سنوات حرب مرّة اضطروا معها إلى تجنيد مواطنيهم من الذكور من سن الثانية عشرة والذين قضى الملايين منهم في الخنادق التي حفرت داخل المدن وفي الأطراف وعندها تدخلت الدولة العثمانية لتقحم الملايين من سكان الشرق الأوسط في حرب موجعة وغير مبررة بدأت بحادثة فردية وانتهت بقتل أكثر من 16 مليون إنسان.
تعلّمنا دروس التاريخ أن نقرأه جيداً ونتبصر في عبره حتى لا يعيد نفسه فالعالم يزهر بعلمه وعقله وقدرات شبابه بدل إفنائهم في الحروب والمناوشات والفتن والمؤامرات فالإنسان يبقى إنساناً مهماً حصل وليس أدل على ذلك ما حدث في أول عيد لميلاد المسيح بعد بدء الحرب العالمية الأولى، حيث أعلنت الهدنة بين كافة الأطراف ولم يصدق الجنود الذين خنقتهم الرطوبة والأمراض فركضوا مغادرين خنادقهم مهرولين نحو نظرائهم من الجنود في الجيوش التي كانوا يحاربونها ليحتفلوا معهم بأعياد الميلاد المجيد ثم يعودوا أعداء كما كانوا بعد انتهائها.
يحتاج الشرق الأوسط للتفكر في نمائه واستقراره قبل الإقدام على حلول دامية مثل خيار الحرب التي نستعيد هذا الأسبوع ذكرى ميلاد أبشعها وذلك للتفكر في ملايين الناس الذين قضوا فيها دون أن يملكوا الإرادة ولا القدرة لرفض المشاركة فكانوا عتادها كأرقام واهية في قوائم ورقية آنذاك لم يشعر بهم لا القادة ولا رجالات السياسة وذهبت أرواحهم هباءً منثورا.
المحزن حقاً في هذا الدرس التاريخي البليغ أننا حرمنا طلابنا السعوديين من تعلم عبره بأن قمنا في السنوات الأخيرة بحذفه من مناهجنا الدراسية فلم يعرف طلابنا أي شيء عن أبشع حريين حدثتا في تاريخ البشرية وهكذا كبروا دون أن يدركوا أن العالم مر بهذا الحجم من البشاعات التي عليهم العمل ليل نهار لتجنب حدوثها.
لا بد لنا من إعادة صياغة مقرارات العلوم الاجتماعية (وتشمل التاريخ والجغرافيا) والمقدمة في مدارسنا بطريقة تتيح تعريف الأجيال على تاريخ وثقافات الشعوب الأخرى باعتبارنا جزءاً لا يتجزأ من تاريخ العالم وحتى نفهم من نحن كوطن وتاريخ بالنسبة للآخر سواء كان صديقاً أو عدواً وكيف يجب أن نكون في النهاية يد واحدة لنشر السلام والأمن في أرجاء المعمورة.
لا أحد يستفيد من الحروب والاضطرابات سوى رجال المال والمصانع الحربية لكن مشكلة الحرب أنها لا تكتفي بأكل أموالنا، بل هي تلتهم سنين عمرنا وشبابنا وتغتال أحلامنا وأحلام غيرنا ولذا علينا أن نتعلّم دروس التاريخ المهمة بأن لا نسمح لهذه الحروب بأن تحدث أبداً.