خالد محمد الدوس
بقلب مفعم بالحزن والأسى ومرارة الفقد.. فجعت صبيحة يوم الخميس الموافق 23-2-1440هـ بنبأ وفاة العم الفاضل وقدوتي الحسنة (يوسف بن محمد اليوسف) بعد مرض عضال عانى منه فقيدنا الغالي طويلاً، ليرحل عن هذه الدنيا الفانية عن عمر يناهز 77 عاما تغمده الله بواسع رحمته.
عاش فقيدنا الراحل حياته ونشأ في بيئة أسرية صالحة عرف عنها الالتزام والاستقامة الدينية.. فبعد وفاة والده الشيخ محمد بن يوسف -غفر الله له- قبل ما ينيف عن نصف قرن من الزمن وكان رجلا صاحب أعمال حرة ومعروفا في مدينة الرياض بتجارته وتنقلاته يسافر للكويت في فترات متقاربة بحثا عن الرزق.. ترك بعد وفاته أملاكا وتجارة لم تكن بوصلة اهتمامه -رحمه الله- تتجه إلى المال بقدر ما كانت منصرفة في حياته الإيمانية والأعمال الصالحة فقد كان وشقيقه الأكبر العم الراحل عبد الله بن يوسف -رحمه الله- بارّين بوالدتهما العمة موضي بنت ناصر الدرح -غفر الله لها -أشد البّر والحرص على صلة الرحم وزيارة الأقارب وبذل العطاء والإنفاق وتفقد أحوال المساكين والمحتاجين داخل النسق القرابي، فكان مدرسة سامية في التواضع والقيم الدينية ولين الجانب والعطف والحنان مع الأقارب وغير الأقارب وهي التنشئة الاجتماعية والتربوية والأخلاقية والدينية التي تأصلت في شخصيته الأبوية الحانية منذ بواكير عمره. فترك لنا دروساً عظيمة في هذه الاتجاهات القيمية والأخلاقية والسلوكية. أما في محطاته العملية وحياته الوظيفية فقد كان -رحمه الله- من الرعيل الأول ممن عملوا في قطاع الحرس الوطني الذي تأسس في أوائل الثمانينيات الهجرية من القرن الفائت وعايش مرحلة البناء المؤسسي لهذا الصرح العملاق.. وأمضى أربعة عقود زمنية، كما كان الراحل من الرجال الأوائل الذين عملوا في تأسيس النشاط الثقافي والاجتماعي بنادي الهلال في عقد الثمانينيات الهجرية بطلب من مؤسس الحركة الرياضية بالمنطقة الوسطى الشيخ عبد الرحمن بن سعيد رحمه الله. فكانت شخصيته الشمولية تتسم بالفكر الثقافي والبُعد الاجتماعي والحس الإنساني والعمق الأخلاقي والاتجاه التربوي، كان فقيدنا الغالي يشجع الجميع في محيطنا العائلي على القراءة والاطلاع الواسع.. والقراءة كما قيل بوابة المعرفة ومفتاح الثقافة، كما كان -رحمه الله- شديد الاهتمام بالأطفال والصبر عليهم ويهتم بتشجيعهم وبتحصيلهم الدراسي ويطلب من أحفاده أن يتحدثوا عن يومياتهم وما حفظوا من القرآن وتعليمهم اليومي في المدرسة ويشجعهم ويكافئِهم فكان -رحمه الله- وكما أجمع الكثيرون في نسقنا القرابي بوصفه القدوة الصالحة والأسوة التربوية الحسنة.. ومن حسن حظي أن حباني الله عز وجل بنعمة عظيمة ليكون فقيدنا الغالي مدرسة حقيقية تعلمت ونهلت من معينها حسن الخلق وسمو اتعامل وسلامة الصدر وعفة اللسان وقيم التواضع في العلم، وحب القراءة والإحسان مع الآخرين.
أما قبل وفاته بعشرة أعوام فقد أصيب بمرض عضال تم استئصال جزء من المريء ففقد صوته الطبيعي الذي كان يصدح ويتجلجل في مجالس الإثراء الثقافي والقيمي والتربوي.. ولم يفقد أروع معاني الصبر والاحتساب في معاناته المرضية فكان يردد ويذّكر بفضل الله سبحانه عليه وعلى الجميع حامدا وشاكرا لخالقه العظيم وبعد تردي أوضاعه الصحية في ظل معاناته المرضية مع داء السرطان خلال السبعة الأعوام الأخيرة من عمره وكثرة مرجعاته المتقاربة للمستشفى لم يشتك أو يتذمر أو يحكي آلامه ومعاناته في ظل جلوسه على كرسي (الإشعاع الكيماوي).. !!بل كان يشكو بثه وحزنه إلى الله عز وجل، حتى ومع اشتداد مرضه مع الداء العضال كان يسأل عن الصلاة، وحريصاً على الأعمال الخيرية وصلة الأرحام، ويزور مريضهم إذ كانت حالته الصحية تساعده على ذلك فكان بالفعل يؤمن بأن الإيمان نصفان نصف شكر والنصف الآخر صبر.. ولعل ثباته وصبره على مرضه ما يقارب عشرة أعوام أو تزيد يؤكد عمق إيمانه وكثرة حمده لله والثناء عليه والشكر له عز وجل في كل حال حتى ومع ارتفاع درجة حرارة مرضه ومعاناته الصحية الحالكة. فترك لنا دروسا عظيمة في حسن الظن بالله والثقة به، والإيمان التام أن المؤمن كل أمره خير كما قال الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام في حديث رواه الإمام مسلم :(عَجَباً لأمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لأِحَدٍ إِلاَّ للْمُؤْمِن: إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خيْراً لَهُ). رحم الله الأب الحاني والمربي الفاضل يوسف اليوسف وأسكنه فسيح جناته وجعل ما أصابه من مرض وسقم تكفيرا للخطايا ورفعة في الدرجات تغمده الله بواسع رحمته. و{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.