هدى بنت فهد المعجل
التغيير ثقافة يوجهنا إليها المكان والزمان والظروف؛ فهو مطلب ملحّ، لا نملك صرفنا عنه أو رفضناً له. ويشكّل شهر رمضان الأنموذج الرمز لتلك الثقافة، وهو ينقلنا من ثقافة إلى أخرى في شهر واحد من السنة: ثقافة الطهي والأكل وثقافة النوم والسهر وثقافة الزيارات ثقافة التسوق، بجانب ثقافات عدة يعودنا عليها رمضان الشهر.
بين التغيير والتغير فرق؛ حيث إن التغير يتم عادة مرة واحدة، أو هو حالة التحول من حالة إلى حالة. بينما التغيير عملية لها طابع الاستمرارية، وبالتالي تتميز بالتجدد وعدم الركود. هي ثقافة ذات أسس فكرية وتربوية، ينبغي غرسها لدى الأجيال القادمة بما يحقق التجدد الإيجابي للحياة، طمعاً في جيل وعالم مبدع مثمر وبنَّاء. وما ينقصنا، أحياناً، الوعي بذلك التغيير؛ ما يجعلنا باقين على ما نحن عليه، أو أننا ندور في الدائرة ذاتها، ولا نكاد نتجاوزها. وفي المحيط العام فإن التغيير سُنّة كونية تعوّد الإنسان عليه منذ وجوده على هذه الأرض. ولأن الإنسان يعيش ضمن هذه (السُّنة) فهو لا يحس بالتغيير، ولا يشاهد أثره إلا الخارج عن نطاقه تماماً، كما تلاحظ أنت أي تغيرات جسمانية قد طرأت على صديق قديم لك لم تره منذ فترة زمنية طويلة في حين هو شخصياً لا يحس بهذا التغيير بالدرجة نفسها التي شاهدتها أنت؛ لأنه ضمن هذا التغيير.
التغيير الذي يحدث تكون نواته الأساسية ثقافات وأفكاراً ناضجة ونابذة لكل مظاهر الجمود التي اتسمت بها كل نواحي الحياة في فترة زمنية معينة، فلا تغيير بلا ثقافة مغيرة (بكسر الراء) ومعبّرة عن روح ذلك التغيير؛ حيث ليس التغيير إبدال أشخاص بآخرين مع بقاء الفكر والثقافة على ما هي عليه؛ فلدى علماء الاجتماع شبه إجماع على صحة مقولة أحدهم بأن «الثقافة هي التي تحدد وتقرر نجاح وتقدم المجتمع وليس السياسة». يقول أستاذ علم الاجتماع التربوي الدكتور علي أسعد وطفة «إن الباحثين يميزون بين نمطين من الثقافة، أحدهما يحض على التنمية ويعزز مسارها، بينما يكبح الآخر متطلباتها ويعرقل تقدمها؛ فهناك ثقافات دينامية، تتميز بقدرة عناصرها على الحركة والتوالد والانتشار خارج إطارها الجغرافي، حيث تتميز بقدرتها على الإقناع والتحدي وتلبية حاجات الأفراد، وهناك ثقافات تقليدية، وهي ثقافات جامدة منغلقة مناهضة للتغيير متشبعة بعناصر قيمية مضادة للتنمية والتطوير». كما قال المفكر محمد عابد الجابري «عقل منفتح غير متعصب، ونقدي يقبل الاختلاف، ويسعى للاتفاق على أسس مقبولة عقلية وعقلانية». وهذا أبو حيان التوحيدي، المتوفَّى سنة 400، الموافق 1010م. قال في أواخر حياته: «كأن أوطان المعرفة قد خلت من سكانها. أين العقول الصاحية؟ أين الأذهان المتوافية؟ أين الألسن الفصيحة؟ أين الخوض في استبانة المعارف؟». فهل نملك بعد ذلك أن نتخوف على العقل من التفكير في الأسباب والمسببات لحركة الحياة تخوفاً يؤدي إلى العزوف عن حب المعرفة والبحث في الحقائق الطبيعية رغبة في التغير والتغيير؟!!