اللواء الركن م. سلامة بن هذال بن سعيدان
إن قضية الصحفي السعودي التي استغلها المنافقون والمرجفون لاستهداف المملكة من خلال الخلط بين الحق والباطل بصورة تنطلي على شرائح كبيرة من الرأي العام نتيجة لأن الوقوف ضد الجريمة والمطالبة بالكشف عن المجرم يعتبر ذلك حقاً، تقوى فيه الحجة، وتتضح بشأنه المحجة، إلا أن الحق إذا ما أريد به الباطل انحرف هذا الحق عن مساره وانكشف عنه ستاره كما هو الحال بالنسبة لهذه القضية التي اتخذ منها مثيرو الفتن ودعاة الضلال ستاراً يستترون خلفه لتسييس وتدويل القضية بغية الإساءة إلى المملكة.
ومعالجة الطرف التركي للقضية والتسريبات التي يكشف عنها بالتدريج بقدر ما ينم ذلك عن خبث النيَّة وسوء الطوية بقدر ما مهَّد الطريق أمام أصحاب الأهواء ودعاة الإغواء للخروج بالقضية عن مسارها الجنائي إلى مسارات يغلب عليها التجني والافتراء ضد المملكة من قبل وسائل الإعلام البغيضة والدعاية المريضة التي يروّج لها النظام القطري ومَنْ على شاكلته من الحاقدين والحاسدين وأعداء الدين.
والواقع أن الحملة الإعلامية والسياسية التي أطلقت ساهمها على المملكة منذ أول لحظة من حدوث الحادثة لم تنشأ من فراغ، ولم تكن هذه الحملة أمراً عارضاً ولا وهل الصدفة، بل إن هذا الإرجاف الإعلامي والخبث السياسي يكمن خلفهما نوايا مبيّتة وأهداف بعيدة، دفعت دعاة الباطل إلى أن ينحو بالقضية منحىً سيطر عليه التسييس والدعوة إلى التدويل بهدف عزل المملكة وإلحاق الضرر بها عن طريق تحويل القضية من قضية جنائية إلى قضية سياسية، لأن الجرم الجنائي تقتصر تبعاته على المنفذين له بينما الجرم السياسي تتحمّل مسؤوليته الدولة، ويمتد ظله إلى الوطن بأكمله عبر رموزه ومؤسساته.
وإن كانت هذه القضية وتداعياتها مؤذية بالنسبة للمملكة فإن الشرف الرفيع يكون دائماً عرضة لمثل هذا الأذى سواءً حصل ذلك بسبب القضية نفسها أو نتيجة لتجني دعاة الباطل من الأشرار الذين زيَّن لهم خبث عملهم وسوء صنيعهم تغليف الباطل بغلاف من الحق لإطلاق سهامهم على المملكة من خلال وسائل الإعلام الحاقدة والدعاية الفاسدة، الأمر الذي يتأكد معه أن من عادة أهل الباطل الاجتماع ضد الحق مع التركيز على التدليس والتلبيس لإحاطة الممارسات الباطلة بسياج من الشعارات الكاذبة التي يوحي ظاهرها بالحق بينما في باطنها يكمن الباطل، كما يشهد على ذلك ما يفعله أولئك القوم من محاولات لتعميم الجرم الفردي وتسييس العمل الجنائي.
ورغم ما يكتنف القضية من تعقيدات وما يلفُّها من الغموض نتيجة لمكان حدوثها وطبيعتها الإنسانية والقانونية وموقف أطرافها، وكثرة تداعياتها، فإن الحملة التي تعرّضت لها المملكة بسبب هذه القضية زادتها تعقيداً وذهبت بها بعيداً، إذ إن هذه الحملة أخرجت القضية من سياقها الطبيعي ضمن إطار الخصوصية الفردية والطبيعة الجنائية لتجعل منها قضية سياسية يعتمد التعاطي معها على الباطل الذي أراده أولئك الذين يقفون خلف الحملة انطلاقاً من قاعدة الغاية تبرر الوسيلة.
ومما لا شك فيه أن هذه القضية أماطت اللثام عن وجوه الكثير من الأعداء المتربصين الذين سنحت لهم الفرصة لامتطاء الحق نحو الباطل، حيث جعلوا من قضية الصحفي مطية يمتطونها لبلوغ مآربهم القذرة التي أصبحت مكشوفة، ولم تعد خافية على أحد، ومهما كثر عددهم وعلا صراخهم فإن حجتهم داحضة وسهام باطلهم سوف ترشد إلى الحق وترتد عليهم بإذن الله. وكما قال الشافعي (اتبع سهام المخالفين ترشدك إلى الحق).
ولا غرابة في هذا الإرجاف والاستهداف، فالمملكة بوصفها تحتضن الحرمين الشريفين، وتتجه إليها أنظار المسلمين، وترجع إليه مرجعية الدين تشكِّل هدفاً لأولئك الذين يرون في عقيدة التوحيد خطراً عليهم رغم وسطية هذه العقيدة وتسامحها وانفتاحها على المذاهب والديانات الأخرى، ومرد هذا العداء يعود إلى توجس أرباب الشركيات وأصحاب المحرّمات من الثوابت التي تنطلق منها العقيدة الإسلامية التي تحارب الممارسات الشركية والإلحادية وتدعو إلى الفضائل، وترفض الرذائل ضمن إطار حرية صحيحة تضع حدوداً وقيوداً لحركة الإنسان داخل حيز المأمورات دون أن يقع في المزجورات.