عبدالوهاب الفايز
مطلع هذا الأسبوع، واصلت وزارة العمل والتنمية الاجتماعية تنفيذ قرار الحكومة لتطبيق توطين المهن، هذا المشروع الذي يعد المدخل الحقيقي لـ(توطين تجارة التجزئة). هذا الأسبوع انتقل التطبيق إلى مهن بيع الساعات، والأجهزة الكهربائية، والنظارات، وبطبيعة الحال لن تكون الأمور سهلة على القطاع الخاصة، ولكن توسيع قاعدة العمل للسعوديين وتوطين فرص التجارة قضية مصيرية اتفقنا عليها، والانتقال إلى مرحلة جديدة في توطين تجارة التجزئة مسار اتخذته الحكومة بعد ترسخ القناعة الوطنية بضرورته وأهميته.
المطالبات بهذا المسار انطلقت قبل عشرين عاماً، وهذا الذي يجعلنا الآن نتعامل مع الظروف الصعبة للتوطين، لأننا ظللنا مترددين، ورحلنا هذا الملف بتبعاته العديدة، ولكن عزم الحكومة وجديتها، وأيضاً قبول وتفاعل قيادات القطاع الخاص دفع إلى الاستمرار في هذا التوجه والذي لا يعد تحدياً لوزارة العمل وحدها.. بل هو تحدي للحكومة، فهذا الملف لن ينجح بجهد وزارة أو وزارتين، بل هو موضوع الحكومة وفِي أولوياتها، والنجاح سوف يتحقق بحول الله.
في قطاع بيع الأجهزة الكهربائية، لم يستطع السعوديين البقاء بهذه التجارة المربحة والحساسة للأمن والسلامة الوطنية، وقبل ثلاثين عاماً بدا العديد من السعوديين دخول تجارة المواد والأجهزة الكهربائية، وعرفت العديد من العائلات السعودية في هذه التجارة، وعلى مدى عشرين عاماً نمت تجارتهم، إلا أن توسع (المنافسة السعرية)، وبدء انتشار التستر أدى إلى خروج أغلب هذه الأسر تماماً، فقد كان أمامها خياران أحلاهما مر: دخول حلبة التستر وتحمل تبعاته السلبية الوطنية والقانونية، أو تحويل تجارتهم إلى بيع ما قل ثمنه وتدنت جودته!.
الذي ساعد على نمو بيع الأدوات الكهربائية الرديئة سلوك الغالبية من المستهلكين في السوق المحلي الذي يشده إلى البضاعة ويؤثر عليه عامل السعر قبل الجودة، والآخر ضعف تطبيق التشريعات والمواصفات السعودية، فتدفق البضائع الواسع، بالذات الذي يأتي في (حاويات البضائع المختلطة)، أدى إلى توسع استهلاك المنتجات والسلع الكهربائية الرديئة، والآن مع دخول الشتاء ينشط الدفاع المدني وشركة الكهرباء للتوعية بمخاطر الأدوات والموصِّلات الكهربائية الرديئة، وكم من الأنفس العزيزة والنبيلة التي ذهبت ضحية لهذه الأدوات!.
ربما تقولون الآن: ما علاقة التوطين بالبضائع الرديئة؟..
أقول لكم: قبل عشرة سنوات كنّت في حديث مع أحد القياديين في سفارة المملكة في الصين، وذكر أنه ذهب في زيارة لمنطقة صناعية، وفِي أحد المصانع وجد صاحب المصنع الفرصة، عندما عرف أن من يزوره من السعودية، ليسأله: لماذا المستوردون من السعودية أكثر من يطلب البضائع الأقل جودة؟..
بعد أن ترك السعوديون تجارتهم في هذا المجال، وفِي ظل غياب الاهتمام الحكومي، أصبحت الفرصة متاحة لتعظيم الأرباح على حساب الجودة، وغرقت أسواقنا بـ(بضائع أبو ريالين!)، وتراكم التبعات السلبية سوف يبقى معنا لسنوات قادمة!.
التوطين في بيع الأدوات الكهربائية سوف يدعم الجهد الكبير المميز الذي يبذله (مركز كفاءة الطاقة)، الذي أطلق قبل خمس سنوات البرنامج الوطني لمحاصرة البضائع والمنتجات الكهربائية الرديئة المهدرة لمواردنا الحيوية.
كما قلت توطين مهن البيع والتسويق في المجالات الثلاث سوف يواجه المشاكل في البداية، والبدايات دائماً صعبة، ولكن التكيف لن يتأخر، والشباب السعودي سوف يتعلم المهارات الضرورية، ومبادرات وزارة العمل الجديدة لتمكين الشباب والتي تتبنى (المشاركة مع القطاع الخاص) نرجو أن تسهل مشروع التوطين، وعموماً.. أغلب الذين يعملون في هذه المجالات من غير السعوديين لم يكن لديهم المعرفة أو المهارة، وعلى رأس العمل وبعد سنوات عديدة، تعلموا وتدربوا ونجحوا ونحن: من (دفع الثمن) في كل الاتجاهات!.