د. تركي بن هشبل
بعد أن أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 8 مايو 2018م انسحاب بلاده من الاتفاق النووي الإيراني وإعادة العقوبات تدريجياً ضد إيران، أصبح يلوح في الأفق مشروع أمريكي صارم للمرة الأولى لإعادة ملف إيران النووي إلى المربع الأول وتجفيف مصادرها المالية التي تساعد على إكمال المشروع النووي والحد من نشر الإرهاب وإثارة الفوضى في المنطقة. هذا الطوق الأمريكي اكتمل عقده في 5 نوفمبر 2018م - يوم ذكرى استيلاء مجموعة من الطلاب على السفارة الأمريكية في طهران واحتجاز الدبلوماسيين والعاملين رهائن داخلها عام الثورة الخمينية 1979م - وذلك بإطلاق عقوبات وصفت من قبل الرئيس الأمريكي بـ»الأشد على الإطلاق» والتي تشمل صادرات النفط والشحن والمصارف وكل القطاعات الأساسية في الاقتصاد الإيراني. هذه الحزمة من العقوبات الأمريكية سوف تؤثّر على إيران من ثلاثة أوجه:
أولاً: إيقاف مشروع إيران النووي الذي تعتقد الحكومة الأمريكية أنه في حال عدم إيقافه فإنه يفتح الباب لدول المنطقة لسباق تسلح نووي، كما أن هذه العقوبات تضغط على إيران بخصوص سعيها لتطوير برنامجها للصواريخ البالستية الذي يصل مداها لآلاف الكيلومترات وهو ما يخالف قرارات مجلس الأمن الدولي الذي يحضر تطوير صواريخ تتخطى الحاجة للدفاع عن الدولة.
ثانياً: حدوث انكماش اقتصادي مما يسبب عجزاً في ميزانية الدولة وبالتالي سوف يؤثّر على الشعب الإيراني من خلال انهيار العملة وارتفاع الأسعار وانخفاض الأجور وازدياد البطالة، بالإضافة إلى شلل تام لعجلة التنمية. وقد شهدت عدة مدن الشهرين الماضية تظاهرات متفرّقة مما يعكس استياء وامتعاض المواطنين من سياسات نظام الملالي في إيران.
ثالثاً: إيقاف إمداد التنظيمات والجماعات الإرهابية في المنطقة بالمال والسلاح، كحزب الله في لبنان وجماعة الحوثي في اليمن وغيرها مما يساهم في استقرار المنطقة. كما أن هذه الإجراءات قد تساهم في تغيير سلوك إيران إزاء التدخل المباشر، كما يحصل في العراق وسوريا، وغير المباشر، كما يحصل في دول المنطقة الأخرى.
تاريخ العقوبات الأمريكية قبل الاتفاق النووي الذي وقّع في يوليو 2015م بدأ منذ عام 1996م والذي وقّع عليه الرئيس الأمريكي بيل كلينتون، وامتدت هذه العقوبات إلى أن ظهر بوادر أزمة بين طهران والمجتمع الدولي عام 2003م عندما صرحت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن إيران أخفقت في التزامها تجاه معاهدة حظر الانتشار النووي وهو الأمر الذي دفع مجلس الأمن لإصدار ثلاث قرارات بعقوبات إضافية ضد إيران في أعوام 2006م، 2007م، 2008م.
طوال هذه الفترة كانت إيران تتحايل وتلتف على العقوبات بطرق مختلفة، مثل تهريب الأموال من الخارج نقداً أو مقايضة النفط بالسلع وغيرها. السؤال الأهم الآن في هذه المرحلة الجديدة والصارمة من العقوبات هو هل تستطيع إدارة ترامب أن تحقق نجاح غير مسبوق بأن تراقب وترصد كل محاولات التحايل التي قد يسلكها النظام الإيراني للحصول على المال، أم أن سيناريو ملاحقة أمريكا لإيران سوف يكون مثل سيناريو ملاحقة توم لجيري.
الوقت كفيل بأن نعرف.