«الجزيرة» - مكتب الجوف:
تعد منطقة الجوف من أقدم مناطق الاستيطان بشبه الجزيرة العربية، حيث عثر بها على مواقع تعد مناطق استيطان تعود لفترة العصر الحجري القديم ولحضارات وممالك متعاقبة كمملكة دومة الجندل، ومرت بحقب ومراحل تاريخية شهدت أحداثاً متباينة كغيرها من مواطن الاستيطان ومواقع طرق القوافل والرحلات، إلى أن خضعت لحكم جلالة الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود ضمن خطته لتوحيد مناطق المملكة، ومسمى الجوف: هو ما اتسع واطمأن فصار كالجوف، وهو أوسع من الشعب تسيل فيه التلاع والأودية وقد استخدمت كلمة الجوف للدلالة على أكثر من موضع بشبه الجزيرة العربية.
الجوف بالعصور القديمة
دلَّت المكتشفات الأثرية بالمنطقة على أنها كانت مسكونة منذ القدم، حيث اكتشفت إدارة الآثار والمتاحف موقعاً في سنة 1977 بالقرب من مركز الشويحطية (الموقع 201-49) الذي يعود للعصر الحجري القديم، وفي سنة 1985 قام الفريق الأثري بإشراف نورمان هويلن بدراسة الموقع وتبين أن بقربه 16 موقعاً وأن أغلبها يعود إلى الفترة الآشولية الأولى. في سنة 1970 قام فريدريك وينيت ووليام ريد بنشر كتاب ضم نتائج زيارتهما لآثار أعمدة الرجاجيل وهو موقع أثري في سكاكا سنة 1966 يضم العديد من الأدوات الحجرية والكسر الفخارية التي استخدمت لتحديد تاريخ الموقع، حيث إن الموقع يعود لحضارة العصر النحاسي خلال الألف الرابع قبل الميلاد، كما عثر بالقرب منه على مجموعة من المدافن الركامية، وعثر أيضاً على مجموعة من الدوائر الحجرية وعلى أدوات حجرية بموقع جبل ماقل ويعود بعضها إلى العصر النحاسي كما عثر على قريتين أثريتين تحمل الأولى اسم «موقع 201- 54» والأخرى اسم «موقع 201- 56» وهذان الموقعان يعودان لذات الفترة وهي العصر النحاسي، وقد عثر مؤخراً على العديد من المواقع على حافة صحراء النفود وأهمها: الموقع 201- 60 والموقع 201- 61 وهي تعود للعصر الحجري المتوسط.
التاريخ الإسلامي والعصر الحديث
كان أول ذكر للجوف بشهر ربيع الأول من السنة الخامسة للهجرة عندما غزا الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- مدينة دومة الجندل القريبة -آنذاك- من الشام ولأن أناساً اجتمعوا فيها وكانوا يظلمون من مر بهم، وأردوا أن يتوجهوا للمدينة فسار إليهم بجيش من المسلمين فتفرق أولئك القوم فأقام الرسول فيها أياماً ثم عاد إلى المدينة وفي السنة التالية أرسل الرسول المصطفى سرية بقيادة عبدالرحمن بن عوف إلى دومة الجندل مجدداً، ويبدو أن حاكمها في ذلك الوقت كان الأصبغ بن عمرو الكلبي فدعاه عبدالرحمن بن عوف إلى الإسلام فأسلموا، ولاحقاً أرسل الرسول -صلى الله عليه وسلم-، خالد بن الوليد في مهمة دعوية مماثلة.
وصلت دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب ونفوذ الدولة السعودية الأولى إلى الجوف في عهد الإمام عبدالعزيز بن محمد بن سعود سنة 1208 للهجرة (سنة 1793 للميلاد) كما ذكر ابن بشر، في عهد الإمام سعود الكبير بن عبدالعزيز ظلت الدولة مسيطرة على المنطقة التي كانت تشكل مع جبل شمر إمارة واحدة، ونهاية سنة 1349 للهجرة (1931 للميلاد) عين الملك عبدالعزيز للمرة الثانية تركي بن أحمد السديري أميراً على الجوف فقام بنقل العاصمة من دومة الجندل إلى سكاكا، وفي 28 شعبان 1412 للهجرة (1991 للميلاد) صدر نظام المناطق في عهد الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود فدمجت منطقة القريات مع منطقة الجوف ومنطقة تبوك كما نشأ عن النظام تشكيل مجلس المنطقة المكون من 33 عضواً، عشرون منهم من أهالي المنطقة والبقية من موظفي الدولة.
عن التضاريس والمناخ
منطقة الجوف تقع في شمال غرب المملكة، وتحدها ثلاث مناطق سعودية إدارية وهي منطقة الحدود الشمالية من الشمال والشرق، ومنطقة حائل من الجنوب الشرقي، ومنطقة تبوك من الجنوب الغربي، ودولة واحدة هي المملكة الأردنية الهاشمية من الشمال والشمال الغربي.
توجد بالمنطقة العديد من الحرات والهضاب والجبال ومن بينها:
حرة الحرة، حرة الرشراشية وتبعد الحرة 16كم إلى الشمال من القريات، حرة البصيلة وتبعد 17كم عن قرية كاف.
هضبة الحماد وهي هضبة مستوية السطح تقع إلى الشمال من حرة الحرة وبها العديد من الشعاب وارتفاعها بين 800 و850 متراً تقريباً.
هضبة الحجرة وتقع الهضبة إلى الشرق من هضبة الحماد وأغلب أراضيها تقع في منطقة الحدود الشمالية.
جبل طوقة ويقع شمال غرب محافظة سكاكا ويبلغ ارتفاعه 1039 متراً تقريباً.
جبل نعيج ويقع شمال شرق القريات ويبلغ ارتفاعه 1023 متراً تقريباً.
وفيها جبل ليلى والحصان وماقل وبرنس والصعيدي وجبال قارة النيصة وقيال وقارة المزاد، وغيرها من الهضاب والمرتفعات، وتقع في منطقة الجوف صحراء النفود الكبير التي كانت تسمى سابقاً برمل عالج، وتمتد من الجوف في غربها إلى حائل في شرقها ومساحتها 64.630كم2 تقريباً.
ومن المنخفضات: توجد بالمنطقة الكثير من الأودية القصيرة والكبيرة ولكن أشهرها هو وادي السرحان وهو أهم أودية الجوف وطوله 180كم وله أهمية في الزراعة في المنطقة، وتوجد فيها عدة أودية أخرى مهمة مثل وادي فجر ويبلغ طول الوادي 135كم ويصب في وادي السرحان، ووادي الأعيلي وهو أكبر أودية حرة الحرة ومن روافد وادي السرحان، كما توجد أودية أخرى مثل: وادي الشويحطية، ووادي المرير، ووادي حصيدة، ووادي باعر، ووادي الصفا، ووادي حدرج، ووادي المعي، ووادي الباير.
ومن غير الأودية، توجد خباري أشهرها خباري الأمحاص وهي أرض تتجمع فيها مياه الأمطار وتنبت فيها بعض النباتات وتقع في بادية الحماد، والعديد من السبخات وأشهرها سبخة حضوضاء التي تقع بالقرب من العيساوية ومساحتها 540كم2، وبذلك تكون أكبر سِباخ المملكة، تشتهر الجوف أيضاً ببحيرة دومة الجندل وترتفع 585 متراً فوق سطح البحر، وتبلغ مساحتها مليون ومائة ألف متر مربع.
والمناخ: تقع منطقة الجوف ضمن حزام الضغط المرتفع شبه المداري، مما يجعل الرياح من الأمور المؤثرة في المنطقة، وتهب في فصل الشتاء الرياح الشمالية الشرقية الجافة مما يجعل طقس الجوف مستقراً وبارداً في هذا الفصل، الموقع الفلكي للمنطقة قد يتسبب بنشوء جبهات هوائية نتيجة اصطدام الرياح الشمالية الشرقية الجافة بالرياح الجنوبية الغربية الرطبة متسببة بهطول الأمطار، ويعتبر التأثير البحري على المنطقة محدوداً لأن الموقع الجغرافي للمنطقة بعيد عن البحار ويعتبر البحر الأبيض المتوسط أكثر البحار تأثيراً على المنطقة، وتعد المنطقة من أبرد المناطق السعودية في الشتاء، حيث تصل درجة الحرارة نهاراً في شهر يناير إلى 15 درجة فقط وتنخفض إلى درجتين في المساء، وقد تصل إلى ما دون الصفر، وفي الصيف تبلغ درجات الحرارة 40 درجة مئوية في نهار يوليو، وفي الليل تنخفض إلى 19 درجة في شمال المنطقة و23 في جنوبها، ودرجات الحرارة المرتفعة والمنخفضة تؤثر سلباً على المنطقة في فقدان المياه وذبول النباتات أو تكون الصقيع وتلف المحصولات الزراعية.
تسقط الأمطار في المنطقة في الأغلب بين شهر أكتوبر وشهر مايو في فصلي الخريف والشتاء وتقل في باقي فترات السنة، ويبلغ معدل كمية الأمطار السنوية قرابة 80 مم، وبشكل عام فإنها عند هطولها يصاحبها تكون للبرد والريح القوية والعواصف الرعدية والسيول الجارفة.
النقل والمواصلات
ترتبط المنطقة مع العاصمة الرياض بطريق يبلغ طوله 1309كم ويمر من مدينة سكاكا عبر مدينة عرعر وصولاً إليها، وترتبط أيضاً بمدينة جدة على ساحل البحر الأحمر عبر مدينة دومة الجندل ومدينة المدينة المنورة بطريق يبلغ طوله 1258كم، كما ترتبط مراكز المحافظات في المنطقة ببعضها البعض، وبالمنطقة مطار بمدينة سكاك، وجار ربط المنطقة مع باقي مناطق المملكة بشبكة خطوط حديدية ضمن قطار الشمال الجنوب (سار) الذي
يربط العاصمة الرياض بمدن سكاكا والقريات والحديثة ومزارع بسيطاء.
الرعاية الصحية العامة
بني المستشفى المركزي في سكاكا (مستشفى عبدالرحمن السديري) في سنة 1385 للهجرة (1965 للميلاد) ليكون أول مستشفى في المنطقة، وقد كان هذا المستشفى مختصاً بالأمراض الصدرية بسبب انتشار مرض الدرن والمعروف أيضاً باسم السل -آنذاك- في المنطقة، ومع زيادة الحاجة السكانية للمستشفيات فقد أنشئ مستشفى الملك فيصل بالقريات، ومركز التشخيص والولادة بدومة الجندل في سنة 1395 للهجرة، ومركز الإسعاف والولادة بطبرجل، وفي سنة 1404 للهجرة أنشئ مستشفى الصحة النفسية، وفي الأول من رجب 1406 للهجرة استحدثت إدارة الشؤون الصحية بالجوف بعد أن كانت تابعة لمديرية الشؤون الصحية بصحة الشمال في مدينة عرعر، وفي سنة 1425 للهجرة أصبح يتبع للمديرية سبعة مستشفيات و29 مركزاً صحياً، وفي السنة اللاحقة أنشئ مستشفى صوير العام، وفي سنة 1433 للهجرة أنشى مستشفى أبو عجرم العام.
الثروة الزراعية
الزراعة هي الحرفة الأساس لسكان المنطقة لا سيما في السنين السابقة، وأدخلت الآلات الزراعية إلى المنطقة في سنة 1368 للهجرة، وأنشِئ فرع لوزارة الزراعة في سنة 1379 للهجرة ثم قامت الإمارة بتوزيع الأراضي الزراعية على المواطنين، حيث بلغ عدد المزارع الموزعة 7500 مزرعة، وتشتهر المنطقة الآن بزراعة شجرة الزيتون وأصبحت تنتج 67 في المائة من زيت الزيتون في المملكة العربية السعودية، وقد بدأت زراعة أشجار الزيتون سنة 1392 للهجرة وأصبحت تزرع بكثافة ابتداء من سنة 1408 للهجرة، وفي سنة 1437 للهجرة (2016 للميلاد) بلغ عدد أشجار الزيتون 15 مليون شجرة تنتج ما بين 30 و40 ألف طن من زيتون المائدة وثلاثة إلى أربعة آلاف طن من زيت الزيتون وبلغ عدد معاصر الزيتون 23 معصرة.
الثروة الحيوانية
قامت وزارة الزراعة سنة 1402 للهجرة الموافق 1982 ببدء أعمال مشروع مركز تنمية المراعي وتحسينها للمحافظة على الثروة الحيوانية في منطقة الجوف بالتعاون مع الفاو، وضم المركز عدة أقسام تعمل على إدارة المراعي وصيانة التربة، وإدارة الإنتاج وصحة الحيوان، وأنشأت الهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية وإنمائها عدة محميات لحماية حيوانات ونباتات المنطقة.
النبات والحياة الفطرية
الغطاء النباتي يعتبر ضعيفاً في العديد من المواقع، ومن أهم النباتات التي تشكل الغطاء: الخزامى، والسدر، والسمح، والفقع، والخبيزة، والربلة، والمهاة، والرقمة، والشيح، والقيصوم، والبعيثران، وجثجاث، والمحروت، والأقحوان، والصفارة، والرمث، والغضى، والأرطى، والأثل والطرفاء، والعاذر، والعرفج، والسعدان، والرغل، والروثة، والبسباس، والكيسوم، والجهق، والديدحان، والسليح، والقليقلان، والحوى، ولسان الثور، والثعلوق، والبحلاء، والطوط، والكراث، والبابونج، والنفل، والزعتر، والدباغية، وشقائق النعمان، والنصي، والرتم، والعوسج، واللويزة.
وساهمت البيئة الصحراوية والجبلية بمنطقة الجوف في أن يتواجد بها العديد من الثدييات، حيث يوجد بالمنطقة خمسة أنواع من رتبة شفعية الحافر وهي المها العربي، وغزال الريم، وغزال الأدمي، والغزال العفري، والوعل النوبي، وهذه الأنواع تعد من أندر الأنواع في المنطقة، ويوجد بالمنطقة أيضاً سبعة أنواع من رتبة اللواحم وهي الذئب العربي، والثعلب الأحمر، وثعلب الرمال، وغرير العسل، والضبع المخطط، والقط الرملي، والقط البري، وأعداد هذه الأنواع بتناقص مستمر لأنها مصدر تهديد للمواشي وسكان البادية، ومحمية حرة الحرة وبحيرة دومة الجندل أهم منطقتين في الجوف بالنسبة للطيور، حيث إن الأولى توفر حماية للطيور بسبب صعوبة وصول البشر إليها وصيدها، والثانية تعتبر منطقة رطبة تتوافد عليها الطيور فقد سجل فيها خلال أحد المسوح في تسعينيات القرن العشرين أكثر من 10 آلاف طائر في فصل الشتاء، وتعاني الطيور في المنطقة بسبب الصيد الجائر، واختفاء المناطق الطبيعية، وتأثرها باستهلاك البشر غير المنظم للمياه الجوفية، ويسكن بالمنطقة العديد من الطيور من أبرزها طائر الحبارى.
الآثار بالجوف
بالمنطقة العديد من المواقع الأثرية التي تعود للعصور الحجرية ثم النحاسية وتمتد عبر عهد مملكة قيدار والأنباط والنفوذ الروماني، لنصل إلى عهد صدر الإسلام وما تبعه من عصور الدولتين الأموية والعباسية ثم العهد العثماني وحكم أسرة الشعلان ثم الدولة السعودية، اكتشف في هذه المواقع مستوطنات ومدافن وفخاريات ونقوش ثمودية ونبطية ورومانية، بالإضافة لنقوش عربية من فترات إسلامية مختلفة.
فعلى سبيل المثال هناك مواقع:
حي الدريع القديم، قلعة مارد الأثرية هي قلعة أثرية تعود حسبما اكتشف إلى الآن إلى عهد الأنباط وكانت مقراً للحكم في دومة الجندل.
يحيط بالقلعة أربعة أبراج ثلاثة منها متصلة ببعضها البعض مما يسهل الحركة بشكل كبير يحيط بالقلعة سور أضيف إليه سورٌ آخر في الجهة الجنوبية والشرقية والشمالية، مسجد عمر بن الخطاب هو مسجد منسوب إلى الخليفة الراشد الثاني عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وتكمن أهميته في أنه يمثل نموذج العمارة القديم في بداية الإسلام.
تعتبر المئذنة فريدة من نوعها في نمط المآذن في شبه الجزيرة العربية لكنها تأثرت بالأسلوب العمراني في العهد الأموي، سور دومة الجندل هو السور الذي يحيط بدومة الجندل وطول المتبقي منه قرابة ألف مترٍ تقريباً، سوق دومة الجندل هو مركز دومة الجندل سابقاً وأحد أسواق العرب قبل الإسلام، مدافن ونقوش الصنيميات هي مدافن نبطية مبنية من الحجارة عثر فيها على أوانٍ حجرية وحلي ونقود من عهد الحارث الرابع ملك الأنباط ونقود رومانية تعود لسنة 118 للميلاد، الدوائر الحجرية في وادي السرحان، قلعة الصعيدي هي قلعة أثرية يعود تاريخ استخدامها وفقاً للأدلة الأثرية إلى منتصف الألف الأول قبل الميلاد، وغيرها كثير، وتضم منطقة الجوف متحفاً واحداً عاماً هو متحف الجوف ويقع في محافظة دومة الجندل بالقرب من المنطقة الأثرية وتبلغ مساحته الحالية 3600 م2، كما تضم المحافظة العديد من المتاحف الخاصة.