عبده الأسمري
استل سيف العشق وامتثل لطيف الشعر.. فنثر القصائد كحبات رمان على الثلج.. عبر ميادين «الرجولة «ودواوين «الأبيات» ممتطياً صهوة «القصيد» متخطياً حواجز «البطولة» ليكتب الإبداع عبر ضياءات «النظم» ويسكب الإمتاع على صفحات «النبط».
أنه العميد العسكري والشاعر الشعبي الشهير مساعد الرشيدي -رحمه الله- أحد أبرز الشعراء الشعبيين وأمهر خبراء القصيدة النبطية في السعودية والخليج. بوجه «شمالي» مترف بملامح البادية وعينان واسعتان تشع منها «نظرات «اللطف «مع تأنق يعلوه تشكيلة «شماغ» يرتفع من الجانبين مع ابتسامة بيضاء تعكس صفاء سريرته وسر صفائه وكاريزما تنضخ أدباً وتتقاطر تأدباً تطل من على محيا عسكري مغوار في مواقع التدريب وغرف العمليات العسكرية ومحفل مدني في منصات الشعر، يعكسه ظهور شعري تتوارد منه أبيات الشعر وقوافي النظم المنطلقة من لسان يحفل بالمحاكاة ويحتفل بضروب المغنى ومضارب المعنى. أمضى الرشيدي ثلاثة عقود وجهاً أصيلاً للشعر وأنموذجاً نبيلا للأدب.. مرتدياً وشاح «الوطنية» العميقة ومتوشحاً رداء «الوزن» وأداء «الاتزان» رائداً من رواد الشعر الشعبي وسيداً من سادته.
في الدمام ولد الرشيدي وتفتحت عيناه على بزة والده العسكرية التي كان يتشبث بها مع بداية كل يوم عمل في إطار تعلق طفولة ومغنم طموح رسم في فكره «الغض» محبة السلك العسكري فظل متنقلا لسنوات بين المناطق مع والده الذي غرس في قلبه «الصغير» مفاخر الإنسانية وعلمه ماهية «الاعتماد» سراً وعلانية..ثم انتقل في سنين طفولة ومراهقة لخميس مشيط التي ارتبط بها وركض فيها بين أحياء الشرفية والخالدية والعزيزية متفوقاً على أقرانه مطلقاً ساقيه النحيلتين باتجاه هضاب مدينته مخطوفاً إلى حماس العسكريين في ميادين الجيش منجذباً إلى أصوات الطائرات الحربية المنطلقة من القاعدة الجوية فاكتملت في ذهنه «بوادر السيرة الأولى» واعتمرت مخيلته «خطوط خارطة المستقبل»، فصال باحثاً عن طموحه وسط أوراقه التي كان يكتب فيها «قصائد» النبوغ باكرا ويجمعها في «صندوق» قلبه العامر بحب الآخرين.
عشق القصيدة فكان يجمع قصاصات الشعر بين كتبه الدراسية متأثراً بهندسة الغزل في قصائد «بدر بن عبدالمحسن» وامتثال المفردة في أبيات «طلال الرشيد» واكتمال الجودة في متون فهد عافت وارتقاء النص في قوافي «أحمد الناصر» وعمق البيئة في كلمات «سعد الخريجي»؛ فجمع ما بين الهبة والموهبة فوهب وقته لمنازلة «الأبيات» بسطوة المهارة ونيل التفرد بحظوة الانفراد.
درس الرشيدي التعليم العام في خميس مشيط والتحق بكلية الملك خالد العسكرية وتخرج منها ضابطاً برتبة ملازم مسجلاً اسمه في لوحة الشرف وعمل في الحرس الوطني بعدة قطاعات حتى وصل إلى رتبة «عميد».. وكان مثالاً للالتزام والانضباط محفوفاً بصفات إنسانية وقيم وظيفية كانت «حكاية واقع» جائلة في مخيمات العسكريين ومواقع القياديين.. فكان زامر «الكتائب» الذي أطرب معشره بحس الشاعر وإحساس الإنسان ونبراس القيادي.
كان للحب والعشق والغزل والوصف والحياة والموت والوداع والنسيان والسلوان وقفات فاضت بها قريحة «الرشيدي» الذي كان يجيد رصف جسور «رفاهية التذوق» ويجبر خواطر «المسكونين بالتجارب»بشفافية البوح في قصائد شعرية تخضع الشعور للامتثال والمشاعر للتماثل.
امتلك الرشيدي فلسفته الخاصة التي عبر بها بحور الشعر بمجاديف اليقين في مركب مكتظ بالهموم فنصب شراع «القصيدة « ورفع رايتها موزعاً «ملذات المفردات» في اتجاهات الذوق بكفاءة منوعة جعلته «رقماً صعباً» وإحساساً بشرياً يكتب الحياة شعراً ويسكب المعاني عطراً في منظومة غذاء فكري حول الشعر الشعبي إلى أدب حضاري موظفاً التجربة في خدمة الهدف ومستوقفاً الألم لصالح الكلمة.
تعاون الرشيدي مع عدة مطربين وعلى رأسهم محمد عبده الذي تغنى برائعته «أنتي نسيتي» التي أرسل منها إيحاءات الموت على طريقته عندما قال: «ما به حياة من دون موت» ليعقبها ذات يوم بتغريدة تاريخية كتب فيها «آخر عباراتي وداع.. وآخر مشاويري رحيل».
لـ«الرشيدي» عدة دواوين شعرية أشهرها: «سيف العشق» وشارك في عشرات الأمسيات الشعرية والبرامج المتخصصة بالداخل والخارج.
تحاور مساعد الرشيدي مع المرض فجاور آلامه واستجار بخالقه..فظل هازماً للمرض عازماً بالتفاؤل.. ناثراً بوادر إنسانيته لإسعاد الآخرين على حساب صحته، فكان مبتسماً ودوداً حتى آخر أيام عمره حينما وافته المنية فجر الخميس 12 يناير 2017 ووري جثمانه في مقبرة النسيم بالرياض.
أشبع مساعد الرشيدي ذائقة المتعة اللغوية بوابل من السرد الشفيف للألفاظ والتي تراقصت في قصائده لتشكل لحناً شاعرياً عنوانه الشموخ؛ فبقى رمزاً في متون الذاكرة وعزاً في فنون الأدب الشعبي.