عمر إبراهيم الرشيد
تقصر الكلمات والجمل البلاغية عن وصف تلك المشاعر التي تنتابنا حين تفيض السماء علينا بجودها، وينزل السحاب غيثه الغدق، فتعبق الأرض برائحة الحياة وتشعر النفوس الحية بنشوة يصعب وصف أبعادها، ذلك هو الغيث المغيث وماء السماء الذي ينشده سكان الجزيرة العربية وجميع ساكني الصحاري العربية والأرياف وبعض المدن. لعلي في هذه العجالة أكتب شيئا خفيفا كمثل أجوائنا الخريفية الرائقة هذه الأيام برحمة الله وجوده.
هناك جدلية الشتاء والصيف وأيهما يفضل الناس، وهنا نتذكر أو نذكر بأن مناخنا صحراوي شتاؤه جاف يكشر عن أنيابه وقت اشتداده وهبوب رياحه الشمالية، وصيفه لاهب طويل الشهور، لذا فإن فترة الاعتدال لدينا قليلة تمر سريعاً كعادة الأوقات الجميلة ربيعاً أو خريفاً كما هي هذه الأيام.
والناس فريقان في الغالب، فمن يرى الصيف انفكاكاً من قيود اللباس الثقيل وحرية في الحركة وموسما للسفر والانطلاق، وآخر يرى الشتاء ابتعاداً عن أجهزة التكييف التي سببت الخمول وتصلب العضلات والمفاصل، وليلا طويلا هادئا وانعتاقاً من صخب المدن وتلوثها إلى الأفق الممتد ونقاء البراري والتحلق حول النار ومراقبة النجوم.
أما شمول الأمطار أرجاء المملكة ودول الخليج بل والجزيرة العربية والأردن وغيرها، وهذه الفيضانات الهادرة في بعض هذه المناطق والدول، ومع الخسائر المادية والبشرية التي تنتج عنها، إنما هي بتقدير الله أولاً ثم بالقصور البشري أو الإهمال أو التعدي، باعتراض مجرى وادي والبناء فيه أو إهمال وعدم تأسيس التصريف اللازم للسيول، عدا عن المغامرات الفردية واعتراض الأودية في عز جريانها وما تسببه من وفيات.
إذاً هي نعم الله علينا ولكن بعض البشر يظلمون أنفسهم، فهذه رحمات من الله وعلى البشر أخذ العبرة وإحسان التدبير والتخطيط، وهذا مناط استخلاف الله للإنسان على هذه الأرض.
صوت حبات المطر تتساقط على الأسطح وأوراق الشجر، وأصوات الهزيم وهو يبشر بقرب انهمار ماء السماء، ولمعان البرق من خلال المزن، ورائحة الندى تبعث النشوة في الجسم والنفس، كل هذه تشكل لوحات ومشاهد صاغها أحسن الخالقين.
الشتاء والصيف، الخريف والربيع، فصول تشبهنا ونشبهها أوجدها الخالق لندرك النعم حين نفقدها أو تغيب عنا، لندرك معنى التغيير وتقوى نفوسنا وعقولنا بقيمة التأقلم والاستعداد للتقلبات على اختلافها، والأخذ بأسباب القوة العقلية والنفسية.
والمسألة أعظم من تفضيل فصل على آخر، فاستمتعوا بأجمل موسيقى طبيعية حين تتساقط زخات المطر ويهدر الرعد، وتبارك الله أحسن الخالقين.