د. محمد عبدالله الخازم
وفي الدول الأخرى أو الديانات الأخرى نجد ذلك القَسم ظل يشكل الأساس، ولكن بعد تطويره ليتلاءم مع المرجعية الدينية والأيديولوجية، فالمرجعية التي يُقسم عليها الطبيب في روسيا هي الماركسية أو الشيوعية، وفي الصين الكونفوشية، أما الدول الإسلامية فليست لديها مرجعية واحدة. صدر عن الجمعية العالمية للطب الإسلامي بالكويت عام 1981م حيث المبادئ الإسلامية تُحرِّم القتل حتى على المرضى الميؤوس من شفائهم، وتُحرِّم الإجهاض، ولا أعلم ما إذا كانت كليات الطب الإسلامية تلتزم بالقَسم الطبي الإسلامي في حفلات تخرج طلابها أم أنه مجرد مرجعية فلسفية دينية؟ تحديداً، بعض الكليات الطبية السعودية تشهد حفلات التخرج تلاوة القَسم الطبي، ولكن ليست لديَّ معلومات تفصيلية عن مرجعية القسم المستخدم!
طبعاً هناك القَسم، والتطور نحو المبادئ أو الكود الأخلاقي للممارسة الطبية، وتجدر بنا الإشارة إلى أن أبرز التغيرات التي كسرت مبادئ ايبوقراط حدثت بعد الحرب العالمية الثانية، حين بدأت التساؤلات تتكاثر حول ممارسات الأطباء الألمان أثناء وبعد الحرب، فالقَسم يفرض عدم الإضرار بالمريض، ولكن أولئك الأطباء مارسوا بعض أنواع البحث والتجارب الطبية على الأسرى ومصابي الحرب من الأعداء، وهي ممارسات تضر قطعًا بالمريض، وفعلوا ذلك على اعتبار جوازه في حالة الحرب، وهنا برز التساؤل عن أخلاقيات البحث الطبي، وهل يجوز إجراؤه على المريض حتى مع احتمال الضرر الذي سيقع عليه؟ وهل يجوز تجريب تركيبات جديدة من الأدوية على المريض؟.. إلخ. وأدت هذه التساؤلات إلى ظهور بيان نوريمبريج عام 1946م الذي شكل نقلة جديدة لم تشهدها مبادئ ايبوقراط طوال 2500 عام، وهي ظهور وثيقة أخلاقيات الممارسة الطبية التي تضمنت لأول مرة ضرورة إطلاع المريض على خطة علاجه، وأخذ موافقته عليها سواء كانت متعلقة بالبحث أو حتى بإجراء عملية بسيطة، بمعنى أن الطبيب لم يعد هو المتفرد باتخاذ القرار وتطبيقه دون إطلاع المريض أو أخذ موافقته على نوعية الإجراء الطبي، وأعقب ذلك ظهور وثيقة حقوق المريض التي تبنتها منظمة المستشفيات الأمريكية عام 1973م، ومن ثم مبادئ المنظمة الأمريكية الطبية للممارسة الطبية عام 1980م وفيها وضحت حقوق المريض، واستخدمت فيها مصطلحات قانونية تجيز للمريض مقاضاة طبيبه عند الإضرار بحقوقه المنصوص عليها في وثيقة الممارسة الطبية، وهذا لم يكن موجوداً في القسم الطبي (قسم ايبوقراط)، بل الأهم في تلك المبادئ هو أنها بُنيت على مبادئ قانونية وعلمية وليست دينية، وبالتالي يُحتكم في تفاصيلها إلى المرجعية القانونية والمهنية بالدرجة الأساسية.
تبقى أسئلة نخم بها؛ عندما يأتي طبيب هندي أو أمريكي أو مصري للعمل في المملكة، ما المرجعية التي يعتمدها للممارسة الطبية؟ هل يمارس كل طبيب المهنة بناء على مرجعيته الأساسية دينية كانت أو اجتماعية أو تعليمية؟ هل هناك مبادئ أو دراسات لمبادئ الممارسة الطبية بالمملكة يتم نشرها وتعليمها لممارسي المهن الطبية والصيدلية بالمملكة، سواء كانوا طلاباً أو ممارسين، مواطنين أو غير مواطنين؟ هل هناك جدوى من القسم الطبي الذي تجريه بعض كليات الطب السعودية؟ هل له أثر في الممارسة الطبية؟