د. خيرية السقاف
يركب الموجة, في حموة السيل الفائض, يحسب اللجة تأخذه لأعلى قمة في جوفه الشغوف للانتصار!!..
لكنها تطوِّح به, تهزم جسده اللدن في قبضتها, تغمره بمائها, تملأ رئتيه..
تأخذه لحيث يستنفر المنقذون آلاتهم, وخبراتهم, ولحظاتهم ليأخذوه هامداً, بلا ضحكاته المجلجلة, ولا عنفوانه المبتهج!!..
تثكل أمه التي ربته في أحشائها, وأنهضته من رخوه, وأطعمته من سهر عينيها, وأسقته من رحيق قلقها وانتظارها؟!..
تفرغ الأمكنة التي تجوب فيها أنفاسه, وينادى فيها اسمه, من الدفء, والصدى!!..
مآتم الأحزان في مواسم المطر تجرح بهجة المنعَّمين بلطائفه, وروائه, وتطهيره!!..
فحين يغيب المطر يبتهلون إلى الله أن يجريه..
وحين يهطل يسألون الله أن ينفع به..
وحين يأخذ في فيضانه بأرواح المجازفين تختلط الدموع بقطراته,
يتبدل عذبها لملح أجاج..
يجرح الإشراقة في خدود المحبين..
تحضر الفجيعة بثوبها الفضفاض تتبختر
وتقام مراسم العزاء, والتحسّر, والبكاء..
المجازفون في مجرى السيول, وتدفق الأودية, ووابل السُّحب مندفعون, مسرفون..
يعبثون بلحظات تحد مع الذات, برغبات انتصار على خبيئة عاثرة,
لكنه الغياب الكلي في اللحظة عن وعي الصامد للعثرات, أو المدرك لغدر الطمي, أو العارف لعنفوان المد, أو المصغي لمفردات مآلات انسياب الطبيعة حين لا يكون في قدرة المرء أن يجاريها..
ربما تكون الرحمة بالنفس موضوعاً معادلاً للشفقة على النهاية..
لو يتفكر فيهما من يرمي بنفسه في تهلكة لحظة تحد ليس على أية حال إلى نجاة!!..
في حال أن يكون هو المجازف في الموقف, وليس لعارض سواه!!..