مها محمد الشريف
بعد رسم الدائرة الكبيرة حول السعودية من تركيا وقطر في قضية خاشقجي، وإشعال حدود هذه الدائرة بالشكوك والاتهامات سيخمد القضاء هذه الشعلة المسيسة ليقول كلمته ويقدم سبراً دقيقا لقوة القضاء في المملكة، وتخرس به الألسن ويدفن الزمن هذا القبح المدفوع من الأعداء والخصوم.
لقد أصبح الأمر استثنائياً وانطلقت منه تنبؤات وتكهنات كثيرة عند الدول الغربية، من أجل أن يقفوا ضد المملكة ما جعلها تتعامل معنا بطريقة غير ودية وتناست تاريخها الدموي الحافل بالجرائم، ومن جهة أخرى، ليس هناك أدنى شك بما حل بالشرق الأوسط من صراعات بسبب التجاذب في المصالح التي أدت فيه دوراً فاصلاً، وقد ترافق ذلك مع اندفاعها بشكل ملحوظ بذرائع تخفي في طياتها أهمية المكان ومقدراته لهم وإزاحة الآخرين.
لا يحتاج المرء هنا إلى ألغاز ليحلها، فكل ما يدور حولنا لا يلبث أن يظهر جلياً، وتلك الدول التي لا تملك توازناً استراتيجياً أو قوة سياسية أو اقتصادية يستحيل أن تكون خطواتها أكثر ثباتاً ورشداً نحو الواقعية، فقطر رغم كونها شحيحة الفكر والعقلانية إلا أنها أول من يستبسل ضد المملكة بمباركة تركيا التي لا تنفك تتحرك هنا وهناك في الاتجاهات المعاكسة ضد أمتنا ومملكتنا.
لقد كان بالأمس هذا السؤال حائراً واليوم نعلقه على قائمة التدخلات التركية في الشأن السعودي التي يثيرها أردوغان، لماذا تركيا تحتضن معارضي النظام السعودي وتحيطهم بعناية فائقة وتعمل جاهدة على تسييس قضية خاشقجي؟ ماذا لو قامت السعودية باحتضان بعض المعارضين الأكراد في نظر الرئيس التركي؟.
لا شك أن التراكم في العداء المبطن قد أكسب المملكة مناعة ضد هذه المخططات ومشاكلها العويصة، سواء من قطر أو إيران أو تركيا، فالسعودية دولة كبيرة ويصعب هز استقرارها أو التأثير على قوتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فالصراع الخفي أكسبها قوة مضاعفة، فلديها سيطرة منقطعة النظير على الأحداث العارضة فقد طردت أجندتها المارقة خارج اللعبة السياسية، وهو بلا شك فن لا يجيده إلا الكبار.
قد تبدو تركيا وكأنها خسرت امتيازات لعبة المثلث الاستراتيجي بعد العقوبات الأمريكية في حزمته الثانية على إيران، ففي الجانب المعاكس وعد أردوغان إيران بأن تركيا لن تلتزم بالعقوبات الأمريكية المفروضة لامتصاص الغضب الإيراني، وكعادة خطاباته الجماهيرية الصاخبة التي توضح هوية أصحابها تنتقد اليوم وتبارك غدا، فلم يعد لديها خياراً آخراً إما أن يخسر طهران ونظامها التعيس أو تتراجع علاقته بإسرائيل وحليفتها أمريكا، وهذا مستحيل قطعاً لأن دور طهران قد شارف على الانتهاء.
إن نهاية نظام طهران قد يؤرخ بداية جديدة للمنطقة، بما يعني أن الاتجاه الآخر له بنية مختلفة تستحق التوضيح، كتب عنها الصحفي الفرنسي آلان غريش، في صحيفة لوموند ديلوماتيك في 2015 وهو المتخصص في العالم العربي منذ 35 عاما،عندما تساءل كيف يمكن أن ننتهي من هذا الإرهاب الغامض؟.
واتهم الغرب بأنه يعتمد التضليل وخلط الأوراق السياسية، وعدم الصراحة لأنه مستفيد من توزيع الاتهامات، وقال أيضا إن الغرب كثيرا ما تعاون مع المنظمات التي يصنفها على لائحة الإرهاب لأنه سرعان ما ينسى الأخلاق حين يفكر في المصالح.
المصالح التي قتلت مليون ونصف سوري ومثله في العراق، ودمرت كل شيء البشر والشجر وحتى الحجر احترق كمدا مما حل بالأرض، ولكن عدالة السماء لا تغيب عن المشاهد المأساوية وتتكفل بحق الرد لتعود الحقوق لأصحابها.