أ.د.سليمان بن عبد الله أبا الخيل
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أرسل رسله بالبينات والهدى، وَأَنْزَلَ مَعَهُمْ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النّاسُ بِالْقِسْطِ، وَخَتَمَهُمْ بِمُحَمّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، الَّذِي أَرْسَلَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ، وَأَيّدَهُ بِالسّلْطَانِ النّصِيرِ، الْجَامِعِ مَعْنَى الْعِلْمِ وَالْقَلَمِ لِلْهِدَايَةِ وَالْحُجّةِ؛ وَمَعْنَى الْقُدْرَةِ وَالسّيْفِ لِلنّصْرَةِ وَالتّعْزِيرِ. وبعد..
فقد اكتست منطقتا القصيم وحائل بحلّةٍ بهيجة عطَّرتها زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود -حفظه الله- الميمونة لهما، فعاشتا بهذه المناسبة العظيمة فرحًا يغمر جنباتهما، وحبًّا وولاءً وطاعةً، تضمَّختا بفخر واعتزاز بزيارة كريمة زَفَّت بشارات خيرٍ، ودلالات نماءٍ وعطاء ورفاهية لأبناء وطننا الغالي.
ولمَّا جاءهم البشير بتلك الزيارة الحانية فكأن السماء قد استبشرت فرحاً، وتمايلت النخيل طربًا، وأوجَفَت القلوب ابتهاجًا، وعلت الوجوهَ الابتساماتُ فرحاً بقدومه الميمون، ورُفعت الأكُف بالدعاء لمقامه الكريم عونًا وتوفيقًا، ونصرًا وتمكينا، على تشريفهم بزيارته الكريمة التي تعد امتداداً للمنهج الذي أرساه الملك المؤسس، ذاك المنهج القويم المتأصل في زيارة المناطق وتفقد أحوال الرعية.
وسطَّر الأهالي في منطقتي القصيم وحائل جميل تعبيراتهم ترحيبًا بقدوم مليكهم المُفَدَّى لمنطقتيهم، وتعَطَّلت لغةُ الكلام عن حمل مشاعر الفرح والسرور بمقدم سلمان الخير، فاستبشروا بزيارته الملكية الكريمة وما تحمله من نفع على الوطن والمواطن، إذ تلك الزيارة الميمونة لقائد العزم والحزم - أيده الله - مثلت قيمة وترابطًا وتكاتفًا بين القيادة والشعب، فهي زيارة تاريخيه عجزت المشاعر عن التعبير عنها، وأدخلت الفرحة في نفوس أبناء المنطقتين.
فقد أدرك -حفظه الله ورعاه- حجمَ المسؤولية التي تولاها، وعظمَ الأمانة التي قام عليها، وعلم أنه مسؤول عنها أمام الله جل وعلا، فقام بواجبه، ونصح لرعيته، ولم يدخر جهداً في تفقد ما تولاه، وإعطائه ما يحتاج إليه، كيف لا؟! وهو سليل الملوك فرعٌ سَامِقٌ من ذاك الأصل الثابت الملك المؤسس عبد العزيز بن عبدالرحمن الفيصل، استلهم فروسية والده، فتوهج ذكاؤه، واتقد ذهنه، إذ تربي في كنف والده المؤسس لعقدين من الزمن، فاصطبغ بنور الحكمة، وفضيلة الحنكة، فخَبِرَ أعباءَ الحكم، وأركان القيادة، فهو -حفظه الله- مدرسة، وضع نصب عينيه الدقةَ والحزمَ، صارم كالسيف في الوقت، حازم في الإدارة والقرار والتنفيذ، وهو بذلك أجدر؛ إذ قالوا: ليس بين السلطان وبين أن يملك الرعية أو تملكه إلا حرفان: حزم وتوان.
وليس هذا على وطننا الغالي بجديد؛ فقد كان الملك الوالد المؤسس إمامًا عادلاً، قوَّامًا لكلّ مائل، ومصدًّا لكل جائر، وصلاحًا لكل فاسد، وقوةً لكل ضعيف، ونُصْفةً لكل مظلوم، ومَفْزَعًا لكل ملهوف، كان لا يَكِلُّ ولا يَمَلُّ من تفقد رعيته، إذ مع تقدم الأمن والنظام، تدفَّقَت عوامل النهضة، فاستخدم الاتصالات لبناء لُحمة المملكة؛ لتقريب البعيد، فكان في قصر كل إمارة غرفة لللاسلكي، فلم يكن المؤسس ينم حتى يُبْرِقَ لكل أمراء المناطق ليطمئن على شؤون رعيته، يتفقد أحوالهم، ويشرف على تدبير أمورهم، فأرفق برعيته ونصح لهم، فكان قدوة حسنة لرعيته، مقتديًا برسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ كان قدوة لأصحابه في جميع شؤون حياتهم، قال تعالى: {لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}(الأحزاب: 21).
فالقيادة والريادة موهبة وعطاء من الله جل وعلا يفيض به على من يشاء من عباده، فهي على مراتب، أعلاها أن تكون النعمةُ نعمةً على الراعي والرعية، وهذا الذي أنعم الله به على هذه البلاد المباركة، فقد ألزم المؤسس وأبناؤه من بعده أنفسَهم بأسس القيادة وعناصر نجاحها، وهي الإيمان بالله، والثقة به، والصدق والوفاء، والرحمة والحزم، وحصافة الرأي، وجعلوا ميزان حكمهم العدل، والإنصاف والقسطاس المستقيم، كما جاء في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فأمِنُوا وأمِنَت رعيتُهم وطابت نفوسُهم، فطابت رعيتُهم، وهنئوا لهنائها؛ إذ ألزموا أنفسهم الإطارَ السليم للقيادة الحقة التي وردت في قوله صلى الله عليه وسلم: كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، وقوله صلى الله عليه وسلم: إن الرائد لا يكذب أهله.
فكسا المؤسس -رحمه الله- رعيته بحسن رعايته، وجميل نعمته، فملك قلوب الناس، حتى أصبحوا سواعده في التشييد والبناء..؛ إذ جُبِلت النفوس على حب من أحسن إليها، فسبحان من يغير ولا يتغير.. سبحانه يؤتي الحكمة من يشاء من عباده.
وقد يُسَجِّلُ المرءُ التاريخَ في فقرتين، غير أن تسجيل التاريخ عند الملك المؤسس كان يقتضي شجاعة لا تلين، وصبرًا لا ينفد، ورصيدًا من الحكمة لا ينضب. كان لزامًا عليه أن يضع خُطة استراتيجية حسنة الإعداد والتدبير، وكان عليه أن يرتضيَ نكساتٍ وقتيةٍ واتفاقاتٍ لا يُرحِّبُ بها حتى يستطيع أن يبلغ هدفه الأسمى. وكان عليه قبل كل شيء أن يعتصم بالإيمان، كيف لا؟! وهو القائل: (إذا أراد المسلمون والعرب قتال أعدائهم، فإن أعدّوا آلة من آلات الحرب، أعد أعداؤهم مئات وألوفاً، ولكن قوة واحدة إذا أعدها المسلمون لم يمكن أعداؤهم أن يأتوا بمثلها، هي إيمانهم بالله وثقتهم به).
وهو القائل أيضًا -رحمه الله-: (إنّنا نعيش في مرحلة تفرض الكثير من التحديات، ممّا يتطلب نظرة موضوعية شاملة لتطوير آليات الاقتصاد، وهو تطوير يجب أن يكون مبنياً على الدراسة والأسس العلمية الصحيحة).
فمنذ تلك اللحظة بَزَغَ لهذه البلاد فجرٌ جديدٌ، لسان حاله ينطق ويتحدث عن نفسه، فقد قضى المؤسس -رحمه الله - على شتى صور الفوضى التي اعتاد عليها الناس في البوادي والحواضر من الغارات والسَّلب والنهب، كان ذلك دأبُهم وديدنهم، يسودهم الهلع والذعر حيث لا أمن ولا أمان، ولم ير المؤسس علاجًا ناجعًا لذلك إلا تطبيق أحكام الشريعة على أهل الحواضر والبوادي، كلهم سواء.
فحول كل ذلك إلى اجتماعٍ وألفة بين تلك القبائل المتناحرة، والتقت تلك القبائل واجتمعت على التوحيد والشرع المُطَهَّر، وما أعظمها من نعمة أن يكون الاحتكام إلى الإسلام، كتابِ الله وسنةِ رسوله صلى الله عليه وسلم، فهما الأصل القويم في التنظيم والإدارة، حتى أصبحت هذه الدولة الإسلامية التي اتخذت القرآن الكريم دستورًا تستقي منه تعاليم الهدى، وتباشير الحياة، تلتزم بتعاليمه الربانية، وتحتكم إلى الشرع الحكيم أنموذجًا حيًّا، وشاهدًا واقعًا، ودليلاً قاطعًا على حفظ الله لهذه المملكة وتسديده وتوفيقه لولاة أمرها.
وهو الذي ألجم سائِله بإجابة شافية سديدة، وقد كان مراسلاً لإحدى الصحف الخارجية، إذ سأله قائلاً: ما هو دستوركم في هذه البلاد؟ فأجاب الملك عبد العزيز -طيب الله ثراه-: (دستوري وقانوني ونظامي وشعاري دين محمد صلى الله عليه وسلم. فإّما حياة سعيدة على ذلك، وإما موتة حميدة).
وطَّن الملك عبد العزيز البادية، واتخذ من قوة الإسلام ومبادئه سبيلاً ومنهجًا للاستقرار، فبث في القبائل الدعوة بإرسال الوُعَّاظ هنا وهناك، فحثوهم على الاستقرار في أماكن المياه وبناء الهِجَر والمساجد، والعمل في الزراعة، بدلاً من الحياة المتنقلة غير المستقرة وأن يجتنبوا الحروب والتناحر.
ونالت طريقته الفوز واحتذاها جلُّ أفراد المجتمع؛ فأخذوا يعودون بشغف وحماس إلى أحضان الشريعة الإسلامية، وانتشرت الهِجَر هنا وهناك حتى تجاوزت المائتي هجرة، لتتفجر في قلب الصحراء أعظم نهضة اجتماعية.
وذاع صيتُ المؤسس ولباسُ الأمن الذي ألبسه الجزيرة آنذاك، من العدل ومبادئ الإسلام. وهو القائل رحمه الله: (أنا عربي، ومن خيار الأسر العربية. ولست متطفلاً على الرئاسة والملك. وإن آبائي وأجدادي معروفون منذ القدم بالرئاسة والملك. ولست ممن يتكئون على سواعد الغير في النهوض والقيام، وإنما اتكالي على الله، ثم على سواعدنا يتكئ الآخرون، يستندون، إن شاء الله).
وأعلن الملك عبد العزيز توحيد كافة المناطق في دولة جديدة هي المملكة العربية السعودية، وتولى مهمة دمج أبناء شعبه في مملكة موحدة، وسَخَّر التقنية الحديثة لضمان تحقيق الرخاء، فبدأ في توزيع المضخات لاستخراج الماء، وكَثَّر المشاريع المائية الطموحة، والمسح الجغرافي، فكثرت المصادر المائية هنا وهناك، وأُعدت المستودعات الجوفية وقنوات جلبت المياه النقية إلى جدة والحجاز.
واستُجلبت المحاريث الزراعية والبَذَّارات والحَصَّادات، والعديد من المضخات إلى الخرج؛ ليتدفق ماؤها إلى عشرين كيلو مترًا من قنوات المياه، وغذت المياه مزرعة جديدة للأبحاث كانت مهمتها تحديث الزراعة وتدريب الفنيين.
ثم استُجلبت الشركات للتنقيب عن النفط، والثروات المعدنية، فمنح الملك عبدالعزيز الامتياز لشركة استاند أويل أوف كاليفورنيا الأمريكية وقد دفعت خمسين ألف جنيه ذَهَبًا مقدمًا، مع ميزات أخرى، وأمر الملك وزير المالية بتوقيع الاتفاق.
ورغم اكتشاف النفط بكميات كبيرة عبر مياه الخليج العربي في البحرين مضت خمس سنوات دون نجاح في اكتشاف النفط، وبالحفر لعمق يصل إلى نصف ميل زيادة على ما قُدِّر تَفَجَّرت ينابيع النفط في بئر رقم 7 بكميات كبيرة.
وفي العام الذي يليه 1358هـ/ 1939م زار الملك عبد العزيز المنشآت في الظهران لافتتاح الصمامات وتحميل الناقلة الأولى، ومع دوران عجلة التقدم ظلت المملكة العربية السعودية مثلما كانت دائمًا تهتدي بالإسلام وحده، وكان التعامل مع العالم الحديث يقتضي نمطًا جديدًا من التعليم يتجاوز الأساليب السائدة آنذاك، فقد كانت القليل من المدارس في الحجاز، ولم يكن في نجد إلا الكتاتيب. ومع وصول أول عائدات النفط أسست دار التوحيد في مدينة الطائف، وهي مدرسة داخلية تدرس العلوم الشرعية والرياضيات واللغات.
ورغم اتساع حجم الدولة والتحديات التي كان على المؤسس مواجهتها فإنه لم ينس واجبه أبدًا تجاه الحرمين الشريفين.
فخطب خطبة في الحرم المكي قائلاً:
«في هذه البقعة المباركة جعل الله بيته العتيق، في كل هذه البقع الشريفة بعث الله أنبياءه ورسله ونبيه محمد صلوات الله وسلامه عليه؛ لذلك كان الواجب علينا وعلى المسلمين عامة في هذا البلد الأمين خاصة والبلاد الأخرى عامة التناصح للدين وإظهار الدعوة إلى الله وإعلانها، وإني من موقعي هذا من بلد الله الحرام ادعو المسلمين عامة تدبر حقيقة الدعوة المحمدية والتمسك بها»، وأضاف: «إذا كنا نريد اجتماع كلمتنا وتوحيد شؤوننا وحفظ جماعتنا فليس لنا جامعة نجتمع عليها إلا جامعة الكتاب والسنة».
فرحب الملك عبد العزيز بالحجاج في مكة المكرمة في خطاب فريد، إذ كان يدرك أن أهم مسؤولياته هي ضمان أمن الحج وسلامة الحجاج، وفي ذلك الوقت 1357هـ - 1938م شرع في توسعة المسجد الحرام، وكانت تلك هي المرة الأولى التي تشهد فيها ساحة الحرم توسعة كان آخرها قبل أربعمائة عام، وشَيَّد المؤسس مدينة الحجاج في جدة ولا يزال الحجاج ينزلون بها حتى اليوم، أرسى كل ذلك مكانة الملك بصفته الملك العربي الرائد.
يقول الملك عبد العزيز: «لا يغمض لنا جفن دون أن نفكر في جميع المسلمين فنحن قلقون على إخواننا السوريين وإخواننا الفلسطينيين وعلى أشقائنا في العراق ومصر نحن مهتمون بأوضاعهم وهمنا هو همهم».
وفي الوقت الذي كان فيه معظم الوطن العربي يرزح تحت وطأة الاستعمار أصبحت المملكة العربية السعودية حصن الاستقلال العربي وقلب العالم الإسلامي، لقد كرَّس سلطته وقوته حتى آخر لحظة لخدمة دينه الإسلامي الحنيف.
فكان -رحمه الله- كالراعي الشفيق على إبله، رفيقٌ بها، يرتاد لها أطيب المرعى، ويذودها عن مراتع الهَلَكة، ويحميها من السباع، ويكنّها من أذى الحرّ والقرّ. كان أبًا حانيًا، سعى لأبناء وطنه صغارًا، وعلَّمهم كبارًا، واكتسب لهم في حياته، وادَّخر لهم بعد مماته، سهر بسهرهم، وسكن بسكونهم، وفرح بعافيتهم واغتمَّ بشِكَايتهم، كان وصِيًّا لليتامى، وخازنًا للمساكين، ربّي صغيرهم، واحتمل مؤنة كبيرهم. فصَلَح أبناء وطنه بصلاحه، كان قائمًا بين الله وبينهم، سمع كلام الله وأسمعهم، ونظر إلى الله وأراهم، وانقاد إلى الله وقادهم، وجاء أبناؤه من بعده -أيدهم الله- فساروا على ذاك النهج القويم.
وهذا سليله من بعده، ومقتفِي أثره، خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز -حفظه الله ورعاه- توَّلى مقاليدَ الحكم، فأصبح زمامًا للأمور، ونظامًا للحقوق، وقَوَّاما للحدود، وقُطبًا عليه مدارُ الدين والدنيا، وحِمىً لله في بلاده، نصر به مظلومهم، وقمعَ به ظالمهم، وأمَّن به خائفهم.
ألهمته المشاريع المثمرة فألهمها بالمتابعة والاهتمام، إذ قطفت العقود الستة التي قضاها في إدارة الرياض زهرة شبابه، فصارت أنموذجًا فريدًا في أنظمة الحكم، عاصره وعاشه الملك سلمان بن عبد العزيز - حفظه الله -، منذ أن اعترك الحياة العملية مبكرًا، وهو شاب تحت العشرين من عمره عندما تولى شؤون إمارة الرياض، وسرعان ما تَبَدَّل حالها على يده، فاستحالت من قرية وادعةٍ واسم مجردٍ على خارطة شبه الجزيرة العربية إلى حاضرة واعدة من أزهى حواضر العالم تطورًا، حتى صارت مدينة عملاقة، وعاصمة دولية، تأسِرُ العالمَ بما جرى على أرضها من تطور سريع، جعلها في سنوات معدودة من أرقى وأشهر مدن العالم نظافةً وثقافةً وتنميةً وتطورًا حضاريًّا ورفاهيةً شاملةً، تواكب وزنها السياسي، يترجم الأرقام والإحصاءات، إلى واقع ملموس، في أسرع وقت ومن أقصر طريق، وهو ما جعل تجربته حاكمًا للرياض قرابةً خمسين عامًا، فريدة من نوعها، تستحق أن تُدرس في جامعات العالم. فأصبحت الرياض إحدى ثمرات سلمان الإنجاز.
أما سلمان الإنسان فقريب من عائلته، أبنائِه وأحفاده، لا تشغله مهامه عن متابعتهم وتفقدهم، قريب من شعبه يعرفهم بأسمائهم وكناهم وقبائلهم، فتح قلبه ومكتبه ومنزله لسماع شكواهم وهمومهم، كما فتح لهم منزله للشفاعة والجاه والمساعدة المادية والمعنوية، يعرف جيدًا متى وكيف يصل إلى عقولهم وقلوبهم، لم يدَّخر وسعًا ولا وقتًا، ولم يألُ جهدًا، إذ سَخَّر كلَّ ذلك لخدمتهم، يسمع مطالبهم وشكواهم، عبر جولاته، أو اللقاء بهم في يوم يخصصه لهم من كل أسبوع، ومثلما كان يلتقى بالأصحاء، كان يلتقى أيضا بالمرضى والمعوزين، يذهب إليهم، يزورهم، في المشافي والبيوت، فهذا شأنه وذلك ديدنه، وهو القائل: (ولا شك أننا بخير ما دمنا نخدم من يحتاج إلى الخدمة منَّا في هذا المجتمع الكبير المجتمع العظيم الذي قام على الخير والمحبة والتعاون التي هي من أسس ديننا الإسلامي الحنيف). وما زياراته وجولاته الحالية التي يقوم بها إلا خير شاهد على حديثنا هذا، فهو يؤمن أن ما بينه وبين المواطن والمقيم، يتجاوز علاقة الحاكم والمحكوم، فقد قال صلّى الله عليه وسلّم: «عدل ساعة في حكومة خير من عبادة ستين سنة».
وهو القائل: (إننا على ثقة بقدرات المواطن السعودي، ونعقد عليه، بعد الله، آمالاً كبيرة في بناء وطنه والشعور بالمسؤولية تجاهه. إن كل مواطن في بلادنا وكل جزء من أجزاء وطننا الغالي هو محل اهتمامي ورعايتي، ونتطلع إلى إسهام الجميع في خدمة الوطن).
فقلّده الله أَزِمَّةَ حُكمه، وملّكه أمور خلقه، واختصه بإحسانه، ومكّن له في سلطانه، فهو من الاهتمام بمصالح رعيّته، والاعتناء بمرافق أهل طاعته، بحيث وضعه الله من الكرامة، وأجرى عليه من أسباب السعادة لهذه البلاد المباركة ما لا ينكره إلا من بعينه رمد.
كما شهد بذلك كل من أقام في الرياض وغيرها من جاليات أجنبية وعربية، فما من مقيم طرق بابه طالبًا إنصافه، إلا واستجاب له الملك سلمان بن عبد العزيز -حفظه الله-، آمرًا المسؤولين، بالنظر في أمره، نال بذلك كله المكانة العظمى في قلوب المقيمين قبل المواطنين، وجعله بتراكم سنوات العطاء والعمل من أرض الواقع والميدان، حاكمًا ذا تاريخ طويل حسمًا وعدلاً وإنصافًا، شهد بذلك القاصي قبل الداني بمواقف جريئة وشجاعة، وأعمالٍ أفصحَ لسانُ حالِها عن فاعِلِها.
ويأتي عمل الخير في الذروة، فهو أبو الأيتام، رفيق الضعفاء والمساكين، ومنذ نحو ستين عامًا وهو يترأس عددًا من الجمعيات الخيرية وكثيرًا من أعمال الخير والبر.
أما في صلة الرحم فلا يخفى على أحد بِرُّه وملازمتُه المرضى من إخوانه وأخواته وخدمتهم ورعايتهم رحمهم الله.
هذا، وعندما تدلهمُّ الفتن ويتكاثر الأعداء ويزداد الحمل الثقيل على القائد المظفّر فالشعب السعودي الأبي الأصيل يقول لخادم الحرمين الشريفين «سر أيها الوالد القائد ونحن خلفك سائرون مطيعون».
وهو في ذلك - حفظه الله- واثق بشعبه إذ يقول: (إن الأمن نعمة عظيمة وهو الأساس في رخاء الشعوب واستقرارها، وعلى الدوام أظهر المواطن السعودي استشعارًا كبيرًا للمسؤولية وشكَّل مع قيادته وحكومته سدًّا منيعًا أمام الحاقدين والطامعين وأفشل بعد توفيق الله - الكثير من المخططات التي تستهدف الوطن في شبابه ومقدراته).
ولقد أثلج صدورنا وبعث في أنفس المواطنين مشاعر الفرح والسرور والبهجة ما قام به سمو ولي العهد الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله، من زياراته المتعددة للمواطنين في منازلهم في منطقتي القصيم وحائل، حيث سطرت هذه الزيارات الكريمة صوراً ومشاهد رائعة تدل على التلاحم والولاء بين ولاة الأمر والشعب، وجميل المحبة المتبادلة بينهم، والوفاء والولاء الذي يُكنّه المواطنون لقيادتهم الرشيدة، فهي تحكي المشاعر الصادقة التي يحملها المواطنون تجاه خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين، وقد كان لهذه الزيارات الميمونة والمباركة بالغ الأثر في نفوسهم، وهذه عادة كريمة من ولاة أمرنا حفظهم الله في تفقد أحوال المواطنين والسؤال عنهم والاطمئنان عليهم.
نسأل الله أن يوفق ولاة أمورنا لما يحبه ويرضاه وأن يحفظهم من كل سوء ومكروه، وأن ينصرهم على من عاداهم، وأن يعز بهم الإسلام، ويعزهم بالإسلام، وأن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح، والإخلاص في القول والعمل، إنه ولي ذلك والقادر عليه.