د.عبدالله مناع
أخيرًا، وفي الثلاثين من شهر أكتوبر الماضي.. عادت (الحكومة الشرعية) اليمنية إلى عاصمتها المؤقتة: «عدن».. بـ رئيس وزرائها «معين عبد الملك»، وكامل أعضاء حكومته، وهو ما يفتح الطريق أمامها إلى تحرير العاصمة اليمنية «صنعاء» من قبضة المليشيات (الحوثية) المدعومة إيرانيًا.. إن سلمًا أو حربًا.!؟
وقد تزامنت هذه (العودة).. مع دعوات المندوب الأممي (الثالث) لحل النزاع اليمني: الديبلوماسي الخبير (مارتين جريفيث) العلنية والسرية.. بـ(التحرك) الدولي سياسيًا وإنسانيًا.. لإيقاف هذه (المهلكة) التي يقودها الحوثيون بين أبناء الشعب اليمني المغلوب على أمره.. بعناد وإصرار ومراوغات سياسية لا حدَّ لها كـ(موقفهم) من قرار مجلس الأمن الدولي رقم (2216) الصادر تحت البند السابع.. من ميثاق الأمم المتحدة؟ فقد رفضوه بداية، ثم أعلنوا عن قبولهم بتنفيذ كل بنوده: من إطلاق سراح المعتقلين والمختطفين من معارضيهم.. إلى فك الحصار عن مدينة (تعز)، وتفكيك معسكراتهم التي أقاموها في كل من صنعاء والحديدة.. إلا أن لقاء جنيف الثالث مع (الشرعية) لم يتم بسبب انحيازية المندوب الأممي السابق (ولد الشيخ أحمد).. لتتقدم (الكويت) مشكورة لاستضافة (اللقاء) على أراضيها.. إلا أن (الحوثيين) ظلوا على مراوغاتهم لثلاثة أشهر.. مما اضطر (الكويت) للانسحاب من تلك الاستضافة غير المجدية!
***
على أي حال.. استجابت الولايات المتحدة الأمريكية لدعوات (المستر جريفيث).. عندما تقدمت في شهر أكتوبر الماضي بخطة لـ (إيقاف) هذه (المهلكة) التي تستهدف أبناء الشعب اليمني تقتيلاً أو تجويعًا.. و(حل النزاع السياسي)، الذي ما كان له أن يكون لو أن (الحوثيين) لم يقطعوا الطريق على المبادرة الخليجية - التي أصبحت (أممية).. بعد تبني مجلس الأمن الدولي لها - بعد ثلاثة أعوام من انطلاقتها بأعلى نسب النجاح، إذ لولا ذلك لتم إجراء الاستفتاء على الدستور اليمني الجديد، الذي كان مقدرًا أن تعقبه انتخابات رئاسية فـ(تشريعية).. تفضي إلى قيام (أول) حكومات (دولة الوحدة الفيدرالية اليمنية الجديدة).. وكفى الله اليمن شر هذا النزاع الذي أدى إلى هذه المهلكة الإنسانية التي ما كان في مقدور العالم أن يقف أمامها مكتوف اليدين، وهو ما حدث مؤخراً.. عندما تقدمت الولايات المتحدة الأمريكية بـ(خطتها) لـ(حل النزاع) وإيقاف هذه (المهلكة) اليمنية، التي استهدفت وتستهدف اليمنيين جميعًا، وما أنجزوه خلال سنوات الاستقرار.. التي كان نموذجها الأجمل والأكمل في تلك (الصورة) التي ظهر بها (اليمن)، وظهرت بها (عدن) وبقية المدن اليمنية.. خلال استضافة (اليمن) لدورة كأس الخليج الرياضية في أكتوبر من عام 2010م، حيث رأى العالم كله.. عبر شاشات التلفزيون والفضائيات العربية والعالمية.. ولأول مرة (يمنًا مختلفًا)! ليس هو يمن الفقر والبؤس والقلة.. ولكن يمن الازدهار والتقدم والمؤسسات التعليمية والتجارية وفنادق (الخمس نجوم)...!
ومع أن (الخطة الأمريكية) التي تعتمد على مبدأي: وقف إطلاق النار بين طرفي النزاع خلال أيام شهر نوفمبر الجاري.. فـ(جلوس) طرفي النزاع في ختامه لـ(التفاوض) حول صياغة (الحل السياسي).. ومع أن (الخطة الأمريكية) لا تخلو من المسالب في هذه الإطالة الزمنية لـ(وقف إطلاق النار)!! خلال ثلاثين يومًا بين طرفي النزاع الرئيسين: الحكومة الشرعية.. والمليشيات الحوثية المغتصِبة، إلا أن حكومة الرئيس الشرعي (عبد ربه منصور هادي).. رحبت بـ(الخطة)، وهي تشكر المبعوث الأممي (مارتن جريفيث) على الجهود التي بذلها لتحريك المجتمع الدولي: وحكوماته للمساهمة في حل هذا النزاع وإيقاف هذه المهلكة (الحوثية).. بينما راوغ (الحوثيون) كعادتهم.. بين قبولها ورفضها لأنها جاءت من الولايات المتحدة ولم تأت من السويد أو النرويج.. أو الهند أو البرازيل.. أخذًا بـ(نصيحة) الداعم الإيراني لهم!! لكنهم سيقبلون بها في النهاية.. لأنه ليس في مقدورهم (معاداة) دول العالم أجمع.. لأن مرحلة (إعمار) اليمن.. التي ستأتي -حتمًا- بعد وقف إطلاق النار، والتفاوض على مفردات (الحل السياسي).. تحتاج إلى الولايات المتحدة ومساعداتها - وإن تضاءلت...! وبقدر أكبر إلى دول الاتحاد الأوروبي واليابان والدول الخليجية مجتمعة ومنفردة.. وفي مقدمتها (المملكة)، أما (إيران) فلن نستطيع أن تفعل شيئًا في مشوار (إعمار) اليمن نظرًا للعقوبات الأمريكية التي لحقتها مجددًا.. إلى جانب انهيار عملتها الوطنية بصورة لم يسبق لها مثيل في التاريخ الإيراني كله، ولذلك سيقبل الحوثيون مضطرين -لا مخيرين- بـ(الخطة) الأمريكية.. حتى وإن خرجوا في النهاية بـ(حقيبة) وزارية أو حقيبتين.. في أول وزارات العهد اليمني الجديد...!!
***
على الجانب الآخر.. بدا رئيس الوزراء اليمني الشرعي السيد معين عبد الملك.. عند وصوله إلى (عدن) متفائلاً.. وهو يتحدث عن (الإعمار) وتحسين الخدمات، وتخفيف المعاناة المعيشية عن المواطنين، وأن حكومته تواجه صعوبات اقتصادية وإنسانية نتيجة انهيار الوضعين: الاقتصادي والإنساني.. حيث أصبح قرابة نصف المواطنين في فقر مدقع!! بعد حرمان مليون ومائتي ألف مواطن من مرتباتهم.! إلا أنه وعد بـ(إصلاح) الخلل الموجود في المؤسسات والمصالح، وهو يشير ويشيد بـ(استمرار) دعم (المملكة) الاقتصادي والإنساني، الذي كان آخره تلك المنحة النفطية التي قدمتها المملكة بقيمة ستين مليونًا من الدولارات.. لصالح قطاع الكهرباء وإعادة تأهيله وتشغيل محطاته في مدن (المحافظة)..
لكن.. ورغم كل المصاعب وهي بلا عدد ولا حصر.. فإن وجود الحكومة الشرعية في العاصمة المؤقتة: (عدن).. سيعين على حلها.. وإخراج المحافظة فـ(اليمن) بكله.. من هذه المهلكة التي أوجدها الحوثيون بـ(انقلابهم) على المبادرة الخليجية.. وبـ(انقلابهم) على الحكومة الشرعية.. وبانقلابهم بداية على (زيديتهم) المتأصلة في ربوع اليمن كله.. منذ مئات وآلاف السنين.. بلا وعي وبلا بصيرة...!!
فإذا كانت أحلام (حكم) اليمن.. ما زالت تراودهم، وأن النفاذ إليها سيكون سهلاً ميسورًا من بوابة مفاوضات (الحل السياسي).. التي ستأتي بعد شهر -وقف إطلاق النار- بحسب الخطة الأمريكية - التي لم يعلنوا بعد عن قبولها.. بشكل واضح وصريح، فإننا نقول لهم.. إن (اليمن) أكبر من أن يحكمه الحوثيون بضآلة خبراتهم، وقلة معرفتهم وهلوساتهم المذهبية والتاريخية. بل يحكمه القادرون من أبنائه.. وفق معايير الدولة المدنية التي انتهى إليها وآمن بها العالم كله...!!، وأقرها دستور دولة الوحدة اليمنية الفيدرالية الجديد الذي صاغه صفوة اليمنيين.. في مؤتمر الحوار الوطني الشامل...!!