لم يكن رسل الاستعمار من الرحّالة يجوبون هذه الأرض دون نوايا مبطّنة بل غايتهم حواجز أمنية أساسها وقف انتشار الإسلام بحركة مضادّة من التبشير والاستشراق الغربي المصاحب للأطماع الاستعمارية ! فكانت حربهم الناعمة عبارة عن أسطول من الرحّالة المدّخر بالأسلحة العقائدية التي تمنحهم البركة والإذن في الكذب والنفاق وكل الأساليب المحرّمة لتحجيم الإسلام والعرب ! فهم ينعتون كل من لا يدين بالمسيحية بالوثني باستثناء اليهودي ، لذلك حينما تقرأ سيرة كل رحّالة ثم تمعن النظر في نشأته ترى أنّ اللاهوت المادة الرئيسة في تعليمه وهو فقه النصرانية وآدابها بل هناك كليات في إكسفورد وكمبردج وغيرهما خاصة بعلم اللاهوت كان كثير من الذين جابوا أصقاع الشرق الأوسط فيها طلبة كألويس موسيل الكاهن وجون فلبي وبيرتون وغيرهم بمعنى أن الفتى يؤدلج دينياً حتى يغدو متعصباً تعصّباً أعمى لدينه وهم بعد في دول تدّعي العلمانية وتنتهجها في معاملاتها لذلك لا تصدق كل ما يكتبه الرحّالة الغربيون ففي قصصهم وحكاياتهم العبث في السيناريوهات والحوادث والكذب البواح بجانب التعصب الأعمى الذي ينطلق من بواعث دينية ! وزيفه لا يقتصر على ذلك بل يلقي على سبب رحلته الظافرة شيئاً من الغرور المتعالي بالألفاظ المزبرقة بألوان الكذب والنفاق والسلوك المصطنع المتوشح بمسوح التواضع الغث كوليام بالجريف الحاصل على الشهادة الجامعية من كلية الثالوث المقدس حين يذكر سبب رحلته إلى شبه الجزيرة العربية بقوله :( لقد كان يحدوني الأمل أن أقدم شيئاً يعود بالنفع العام لهذه الأقاليم المترامية الأطراف ، وراحت تدفعني رغبة جيّاشة في أن أتمكن من ربط حياة الشرق الآسنة بتيار التقدم الأوروبي المتسارع ... ) فيخلص بعضهم إلى تعميم ما يراه من سلوك خاطئ أو عادة من حالة فردية أو فئوية على أهل الجزيرة فيصف ذلك على الدوام وعلى العموم بسبب تصويره المتعمد للعربي بالتخلف والهمجية ليرضي غرور الأوربيين بتقدمهم الجامح لحضارة ورثوها من أسلافهم البرابرة الحقيقيين كلويس بيلي حين يصف طعام البدوي على أنه طعام العربي بوجه عام فيقول ( يُكون حليب النوق وكذلك الجراد الوجبة الأساس في سائر طعام العرب .... وإنّ شهيّة العربي تستسيغ هذا الحليب ولا ترضى منه بديلاً ) أو كما علّق لوشر في كتابه النجمة والهلال في اغتيال سلطان عمان ثويني واتهام ابنه بذلك ( أن قتل الابن أباه عادة تميّز بها المجتمع العربفي هذه المناطق ) وهذا كذب محض وفرية استعمارية لا تقل حياء عن غيرها ، كذلك استشهادهم بالروايات التاريخية الضعيفة إنما يأتي من اللامبالاة لإثبات وجهات نظر سقيمة فيها من التجني والتحريف مع إضفاء الكذب والدجل عليها كقول بالجريف أيضاً : ( أن النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - حرّم النبيذ لأنه يكره النصارى .... وحرّم الموسيقى لارتباط الأجراس بالكنائس ) هذا ولو نظرت إلى أسلوب السرد والوصف تجد من الألفاظ البذيئة والركيكة ما تغنيك عن تحمّل المسؤولية في ظلم رحّالة بائس ! فتراه يردد الألفاظ السقيمة ( كقذر وبربري وهمجي وسافل وعديم النفع ومنحط وأوباش وبدائي ) إلى آخره من هذه الألفاظ التي نبرأ من تكرارها وقد تعوّد عليها أكثر الرحّالة الغربيين ، بيد أن كثيراً من أهل الجزيرة وخصوصاً الأمراء وكبار الأعيان يعلمون نيات هؤلاء الرحالة الفاسدة وقصدهم وإن انطوت على بعض السذّج من الناس للجهل وبساطة الحياة العامة آنذاك فلويس بيلي المقيم البريطاني في الخليج كتب إلى الإمام فيصل بن تركي خطاباً مهذباً يبدي فيه الرغبة في قيام صداقة يوثقها بزيارة للرياض ولكن رد الإمام فيصل لم يكن مشجّعاً فكتب إليه ثانية ولكنه لم يتلق الرد وقد علم فيما بعد أن الإمام فيصل بدأ مقتنعاً أن بيلي يقصد بزيارته تحقيق المصلحة العامة له وللبريطانيين ليس إلا !
** **
- زياد السبيت