د. عبدالرحمن الشلاش
التطرف يعني الخروج عن حدود الوسطية والاعتدال، وينصرف التطرف إلى الفكر وليس المادة، فهو تطرف في الفكر والسياسة والدين والسلوك والثقافة والرأي، وهو دون شك مرادف للغلو الذي نقده الإسلام ونفر منه وجعله منافيا للشرع القويم.
ثمة تساؤلات كثيرة تدور حول التطرف الديني ولماذا باتت الدول قاطبة تحاربه بكل قوة؟ هل هي حرب ضد الدين كما يدعي البعض، أم أنها حرب ضد فكر خطير يتدثر بالدين بينما هو في حقيقته يشوه الدين وينحرف عن منهجه القويم؟
الحقيقة التي يحاول إخفاءها المتطرفون الغالون أنها حرب على فكر منحرف أول من حاربه سيد البشر محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم- عندما قال (هلك المتنطعون)، وقال (إياكم والغلو في الدين فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين)، وقال (لا تشددوا على أنفسكم فيشدد الله عليكم)، وقال (وان هذا الدين يسر فأوغلوا فيه برفق، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه فسددوا وقاربوا).
التطرف منبوذ ممقوت دينيا واجتماعيا وأخلاقيا وتربويا وسياسيا، وما ظهر على فرد أو في مجتمع إلا وأورث فيه كل الأمراض النفسية الفتاكة من خوف وشك وتقاطع وتدابر وتعطيل لكل شئون الحياة، وإيقاف قسري لعجلة التقدم والتطور والتعايش والتواصل مع الأمم والشعوب. إنه منافٍ تماما لجوهر الدين الذي يحث على السهولة واليسر، قال تعالى (يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) وقال الرسول -صلى الله عليه وسلم- (يسِّروا ولا تعسروا وبشِّروا ولا تنفروا)، وهو ضد توجيهات الدين الداعية للحب وحسن التعامل والتواصل وعدم القطيعة، لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (لا تباغَضوا ولا تحاسَدوا ولا تدابَروا ولا تقاطعوا وكونوا عباد الله إخوانا).
الإسلام دين سماحة ولين وعفو ووسطية في كل الأمور واعتدال في الفكر, في حين جاء الدين الزائف كنوع من المغالاة المناقضة للدين لأنها تتأله عليه ولا تقتدي به.
ظل دعاة التطرف في هذه البلاد في العقود الماضية يدعون الناس إلى تدينهم الخاص لا إلى دين الله الصحيح. خرجوا عن الجوهر إلى الهوامش ليقيموا مؤسستهم على التطرف ومحاولة عزل المجتمع عن العالم. حرَّموا العمل ودعوا إلى عزل الجنسين تماما ومقاطعة الكفار وعدم السفر إلى بلادهم ومحاربتهم ومعاداتهم، وشن حروب شعواء على المخالفين، فصرفوا الناس عن جوهر الدين إلى تراشقات لا علاقة لها بأصول الدين الصحيحة. لم يركزوا على احتياج الناس الحقيقي لفهم الدين الجوهر لا المظهر. لكنهم أشغلوا الناس بالمظاهر، وأوقفوا عجلة النهضة والتقدم بكثرة معارضاتهم فكان من الطبيعي أن يصلوا في النهاية إلى مآلهم الحالي، ويضعوا أنفسهم في حرب ومواجهة مع من يطمحون إلى المستقبل، لأن الحقيقة تقول إنه لا تنمية حقيقية في وجود شبح التطرف.