أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري
قال أبو عبدالرحمن: لا فكرة إلا عن متصور؛ فإذا كان المتصور خياليا في تركيب مجموعة أجزائه: فلابد أن أجزاأه متصورة من صور حسية متناثرة في الكون كالفكرة الخيالية عن طائر منقاره من ذهب، ومخلبه من عاج، وجسمه من حديد.. إلا أن الفكرة هاهنا تشمل الصورة وزيادة تجريدات قد لا تقبل التشخيص كالحكم بأن الذهب يموت مع الطائر ويتحلل، أو يبقى فتسك منه العملة، ويكون حليا.. وجعل (ابن سينا) الفكرة ما حصل بالحد الأوسط، وأمثل له بقولنا: (كل إنسان فان، و(سقراط) إنسان؛ إذن (سقراط) فان)؛ فالإنسان هو الحد الأوسط، لأنه تكرر في المقدمتين؛ وهو علة ارتباط الطرفين؛ أي الحد الأصغر؛ وهو الموضوع؛ أي(سقراط)؛ وهو الحد الأكبر؛ أي المحمول؛ أي: (فان).. ولا مأخذ على مذهب (كانط) في كون الفكرة أعم من الصورة؛ لأن من الفكرة أن تحكم بوجود موجود لم ينله الحس البشري؛ فلا تستطيع تكييفه أو تصوره؛ وإنما المؤاخذة من جهتين:
أولاهما: أن ما حكمت بوجوده تتصور منه بمقدار مادلك من وجوده، وكون الشيىء غير محسوس عندنا الآن لا يعني أن برهانه غير محسوس، بل الحس يدل على ما وراأ الحس ، فتصوري لعظمة الله ليس معناه أنني أكيفها وأحيط بها، وإنما معناه أنه فوق كل ما تصورته من عظمة محسوسة أو معروفة بالوصف؛ وهذا معنى (الله أكبر). وأخراهما: أن العلم بوجود موجود من عالـم الغيب له صفاته من علم مشترك بين العقل المحض والعقل التجريبي.. وكون المبادىء الفطرية مركوزة في عقل الفرد قبل تجربته لا يعني أن ما في التجربة يخالفها، فمعلوم أن المبادئ الفطرية هي التي تصاحب التجربة إلى آخر شوط؛ فتحكم بصحتها أو خطئها كما برهنت على ذلك في عدد من كتبي.. وإنما يعني الوصف بالمحضية: أن الله تفضل بركز مبادئ فطرية في العقل لا يوجد في الحس ما يخالفها؛ لأن الله أراد من العقل البشري أن يعلم ما أذن الله له بعلمه وفق ما هو عليه بهذه المبادىء المركوزة. قال أبو عبدالرحمن: تعريف (كانط) يصدق على الميتافيزيقا، وعبارته غير محققة؛ لأنه من المحال أن يكون في الذهن تصور يتجاوز عالم الحس.. وإنما قد يوجد متصور (؛ بصيغة المفعول) مركب من صور حسية؛ ولكنه بذلك التركيب لا يعهد في التجربة البشرية.. ولم يذكر الدكتور (جميل) فرقا محققا بين الفكرة السابقة والفرضية؛ والمحقق أن الفكرة لا تكون إلا عن تفكير؛ فتعرف بالضرورة العقلية صحة الشيىء من دون التجربة وهو على يقين بأن التجربة تشهد له بقياس على حالة مجربة مثلا لوجوه من المشابهة، فهذه فكرة سواأ ثبت أنها صحيحة أو خاطئة؛ لأن الفكرة ما كانت عن عمل فكري؛ وقد تصح، وقد لا تصح؛ والحكم المسبق لا يكون فكرة إلا بهذه الصفة.. وما كان بسوى ذلك فهو حدس أو تخمين؛ فإذا وقع كان حدسا أو مصادفة.. ودعوى الفكرة الممثلة المستندة إلى كلمة (ديكارت) يدخل فيها تصور الشيىء من وصفه ، وتصوره من تشبيهه بغيره؛ فهي تقريب له؛ وهذا لا يعني صحة قول (ديكارت): « إن أفكارنا تمثل نسخ الأشياإ» بإطلاقه؛ لأن من الأشياإ ما علمته بالحس بمعرفة تامة، أو عرفت جانبا منه أو ظاهرة، فما في ذهني من فكرة هو الصورة الذهنية المطابقة للواقع؛ وأما علمنا بالله سبحانه فلا ينتهي إلى صورة محددة في الذهن تعالى الله عن ذلك، وإنما الموجود العلم بآثار صنعه؛ ودلالة ذلك على ضرورة وجوده، وأن له الصفة العليا في الكمال؛ ففكرتي عن علمه سبحانه هي مالا يتسع له تصور بلوغ الكمال فالعلم من حيث يكون كل علم متصور صادرا عن علمه سبحانه، والله أعلم من كل عالم، ومن كل العالمين مجتمعين، وهو خالقهم.. وقال (مجدي وهبة)، وزميله: «الفكرة عند (أفلاطون): النموذج العقلي للأشياإ الحسية؛ فهو الوجود الحقيقي، وعند (كانط): هو تصور ذهني يجاوز عالم الحس وليس له ما يماثله في عالم التجربة، والفكرة أو المعنى عند أنصار المذهب الحسي وأولهم (أرسطو): هي الصورة الذهنية المستمدة من العالم الخارجي».. انظر معجم المصطلحات العربية ص 276.
قال أبوعبدالرحمن: كلمة (النموذج) مضللة، لأنها تعني الجزأ من الشيىء مثالا له؛ و(أفلاطون) هاهنا يريد الصور الحسية وأحكامها؛ أي مالدى العقل من تصور وتصديق عن الحسيات؛ فهو يريد كل معقول، والتعبير عن كل معقول بالفكرة مجازي، ووجه المجاز أن معظم المعقولات لا تحصل إلا بتفكير؛ والقاعدة أن العقل ينطلق من المحسوس لمعرفة غير المحسوس أو تخيله؛ والفكرة عند (أرسطو) بعض المعنى عند (أفلاطون)؛ لأنها تعني الصورة لا جميع المعقول والتعبير مجازي وجهه أن التصور من عناصر التفكر.. وإلى لقاء قريب إن شاء الله تعالى، والله المستعان.