مها محمد الشريف
حسمت واشنطن بحزمة ثانية من العقوبات على إيران دخلت حيز التنفيذ واستهدفت قطاعات حيوية في إيران، أبرزها النفط، والنظام المالي والصرافة والشحن وبرامج الطاقة وستطال 700 شخصا و300 هدف جديد و100 وجهة تم إعفاؤها من قبل، وإعفاء ثمان دول من العقوبات الجديدة، مما عجل بشل الاقتصاد بشكل كامل، وهكذا، وبعد استعراض متواصل لحجم الفوضى التي أحدثتها طهران في المنطقة ووضع في الاعتبار مواجهة الخيارات المصيرية التي تتعلق بكيفية التحديات التي ستخفف من عنفوان الحقد والكراهية وإيقاف دعمها للجماعات الإرهابية .
ولن يجد النظام الإيراني فرصة أخرى بعد انتهاك فاضح للوعود التي جرى قطعها خلال فترات زمنية ماضية، فقد حمل العرب على المشاركة في الحرب والثورات والصراعات وحول الأقاليم إلى مرتع للإرهاب والإرهابيين ومدن مضطربة قابلة للإنفجار وينفق المليارات على تمويل الإرهاب، والبلاد تعاني ارتفاعا كبيرا في الأسعار وانخفاضا ضخما للعملة الوطنية.
هنا يكمن المعيار الحقيقي الذي يغلق الأبواب أمام نظام طهران، فلن يجد في كلا الحالتين سوى ضغط الشارع أو الرضوخ للمطالب الأمريكية ومواجهة الانهيار الاقتصادي، ولن يوفر النفط إلا للدول الثمانية المستثناة بإعفاءات لتعويض نقص الإمدادات وحماية الأسواق، ولن تذهب الأموال لإيران سوى شراء مستلزماتها الضرورية في تعاملاتها المرتبطة بعقود توريد ولن تدفع الثمن بالدولار.
بل سيكون المقابل غذاء ودواء فضلا أن صادرات النفط الايراني هبطت50% بالمئة والمسموح لهم بمدة زمنية لا تتجاوز ستة أشهر قد تزيد بمعدل بسيط، برغم كل شيء، لن يزعم النظام بعد الآن بأنهم أفضل حالاً من ذي قبل، لأن الخطة الإستراتيجية عقوبات اقتصادية وانهيار لمظهرها الكاذب وعنترية خطابها السياسي والتخبط الكبير الواضح في التصريحات.
وتوشك هذه الفقاعة الإرهابية على النهاية ضمن انتهاء دورها في المنطقة بعد إشغالها في سلسلة من المغامرات الطويلة، لتبدأ سمة أساسية أخرى من بناء نظام عالمي جديد كُتبت سيناريوهاته منذ زمن بعيد، تسعى فيه عدة دول بإستراتيجية جديدة له، مثل روسيا التي فتحت آفاقاً خفية في المنطقة من خلال تواجدها في سوريا بربط نفوذها وطموحها في إطار جغرافي كبير تتساوى به ببناء إمبراطورية جيواستراتيجية تمهد لنظام تنتهي فيه حركية الهيمنة الأمريكية عند حدود سيادة الدول في منطقة الشرق الأوسط ...
فجهود منظمة شنغهاي وتحالف بريكس يثبت ذلك، وهذا بحد ذاته كفيل بإصرار روسيا في مواجهة الإرهاب في سوريا، ويدفع بمسارها للذود عن نفوذها في البحر الأسود بضم جزيرة القرم، وكذلك دفاعها عن مجالها الحيوي في بحر قزوين وإطلالتها الاستراتيجية على البحر الأبيض المتوسط.
والحقيقة في النظام العالمي الجديد يكمن في تغيير اوراسي وتوازن القوى في المنطقة. إلى جانب تلك المفاتيح للفترة القادمة وجزء من المهام القديمة، فغموض السياسة وازدواجيتها له دوافع لإعادة التحرك من جديد وفق هذه الإستراتيجية الجديدة «الأوراسية» في ربط المحاور الدولية والإقليمية بشكل مباشر وغير مباشر لكسب المعركة.