ياسر صالح البهيجان
من أكثر تجارب الإنسان إزعاجًا هي تجربة التواجد في مكان جميل تتكدّس فيه النفايات. تزداد التجربة سوءًا إن كان الفرد سبق له زيارة المكان في وقت من الأوقات وهو في أبهى صوره وكمال أناقته، حينها يرى حجم الكارثة والتشوّه الذي انزع من المكان جماله، وأفرغه من دوره الاجتماعي بوصفه وجهة للسكّان الباحثين عن مواطن الجمال.
والسؤال الذي يتوارد إلى الذهن حينها، أيُّ قسوة كان يحملها أولئك الذين شوهوا تلك الأماكن الجميلة؟، لماذا لم تردعهم أيّ قيمة أخلاقيّة أو مبدأ عن ارتكاب ذلك السلوك غير السويّ تجاه البيئة؟، ألم تكن لديهم ذرة إحساس بالمسؤوليّة تحول بينهم وبين صنيعهم الشائن؟!.
المؤسف أن دراسات متعددة سواءً في ميدان علم النفس أو السلوك الإنساني أو علم الاجتماعي، أكدت بأن الاعتماد على وعي أفراد المجتمع (أي مجتمع) لا يمكن وحده أن يحقق القيم النبيلة والأهداف السامية. ثمة حالة ازدواجيّة وتناقض قد تعتري الإنسان من حين إلى آخر، قد يشتم من يقطعون الإشارات الضوئيّة ثم يبرر لنفسه عمليّة قطعها، وكذلك قد يزدري من يرمون النفايات في الأماكن العامة، ثم يقذف مخلفاته في إحدى الحدائق بعد أن اختلق لسلوكه ألف عذر!.
التوعية جزء لا يمكن إهماله في معالجة أي ظاهرة اجتماعية أو بيئية وسلوكيّة سلبيّة، لكنها في الحقيقة وفي أحسن حالتها لن تشكّل سوى 20 بالمائة من الحل، ويتبقّى 80 بالمائة لتتوزّع ما بين القوانين الصارمة والعقوبات الرادعة والرقابة المشددة. هذه لغة يفهمها الإنسان (أي إنسان) في ظل تكوينه المعقد ومزاجه المتقلّب وأفكاره المشتتة، لذا علينا أن نتعامل معه كما هو وليس كما نظنه.
لنأخذ حملات التوعية المروريّة مثالاً منذ أن كانت عبارة «لا تسرع.. أبناؤك في انتظارك» تملأ الطرقات والميادين، لم تكن نتائجها على أرض الواقع ذات أثر ملموس، وظلت المخالفات المروريّة مرتفعة والحوادث القاتلة تتزايد، ولكن ماذا حدث بعد أن عدّلت إدارة المرور لوائحها العقابيّة، ورفعت قيمة غراماتها أضعاف ما كانت عليه في السابق، وجدنا من يقف والإشارة لا تزال صفراء وقبل أن يرى اللون الأحمر خشية أن يتجاوزها ويتكبّد غرامة ماليّة باهظة، رأينا من يربط الحزام لكيلا تلتقطه كاميرات ساهر المنتشرة في معظم الطرق، وشاهدنا أيضًا من يلتزم بالسرعة النظاميّة ليس حفاظًا على سلامته وسلامة الآخرين بل حفاظًا على ماله ومرتبه، نعم بهذه الطريقة تتغير السلوكيّات الخاطئة، وتكتسب المجتمعات مع مرور الوقت قيمًا أكثر إيجابيّة.
وبالعودة إلى قضيتنا الرئيسة وهي تشويه الأماكن العامة الجميلة برمي النفايات، فإن الأمر يتطلب الاتجاه ذاته، أجزم بأن عمليّة ضبطها أكثر صعوبة من قطع الإشارة أو تجاوز السرعة القانونية أو عدم ربط الحزام، ولكنّي على يقين بأن لدى المسؤولين في وزارة الشؤون البلدية والقروية وأمانات المناطق قدرة على إيجاد الحلول، سواءً من خلال الابتكار أو البحث في التجارب الدولية التي بالإمكان الاستفادة منها في رصد المخالفين وتنفيذ العقوبات النظاميّة بحقهم، شريطة أن يجري مراجعة العقوبات المنصوص عليها حاليًا، بحيث تضمن أن تصبح عقوبات أكثر تشديدًا، وبما يمكّنها من أن تتحوّل إلى قوّة فاعلة ورادعة من شأنها أن تقوّم السلوكيّات السلبيّة القائمة، وتؤسس لمرحلة جديدة تسهم في الحفاظ على جماليّات مدننا وأماكننا العامة.