سعود عبدالعزيز الجنيدل
كنت في الزمن الجميل، زمن الطفولة، وبدايات الدراسة في المرحلة الابتدائية، أحب الجلوس مع «الرجاجيل» استمع إلى قصصهم، وحكاياتهم، وفي الوقت نفسه أشرف على خدمتهم، وفي بعض الأحيان يتناهى إلى سمعي كلمات مثل: «هذا مغسول عقله - دماغه»، خصوصاً إذا كان من يُتحدث عنه مسافراً أو سبق السفر له لبلاد خارج المملكة.
وكنت بسذاجة الصغار أتصور غرفة فيها معدات يتم فيها فتح الرأس، والعبث به، حتى يأتمر الشخص، ويفعل ما يريده الآخرون!
وشاء الله أن أكبر، وأتعلّم لكي أعرف فعلاً، كيف يتم غسل «الدماغ» كما كان يطلقه كبار السن في الزمن الماضي.
يشيع كثيراً مصطلح» «Propaganda»، - وتوظيفه من قبل جهات معينة؛ ليحقق أهدافاً، لهذه الجهات.
ويمكن القول أن استخدام مصطلح «Propaganda»، أضحى سلاحاً لكثير من وسائل الإعلام؛ لتسوّق لنفسها ما تريد، ولتشرعن أفعالها أياً كانت، وتكمن خطورة هذا المصطلح في كونه يخاطب، ويتغلغل في نفوس المتلقين محاولاً تخطي أحكام العقل والمنطق، وتستعين وسائل الإعلام بوسائل كثيرة في هذا الصدد، منها على سبيل المثال لا الحصر: الاعتماد على كلمات لها صدى عاطفي في النفوس، لكونها تحقق لهم الغاية التي يسعون من أجلها، وهي التأثير في المتلقين وجرهم إلى الأفكار والآراء التي يقدمونها، ولا سيما إذا كان ما يقدمونه واهناً يفتقد للحجة والمنطق والبرهان، ولإخفاء هذا القصور يتعمدون استخدام الأداة اللغوية لتغطية هذا النقص.
ومهما تكن سذاجة تلك الأفكار التي تعرض في تلك الوسائل، فقد يوجد لها رواج وانتشار، لغناها العاطفي الذي يدعم فرصها في النجاح، ويزيد من قوتها في التأثير، ويحتاج الأمر فقط إلى إيجاد مثيرات تحرك المخزون المتراكم في اللا شعور الجماعي، وتبرزه في سطح الشعور، ويتبقى إيجاد المثير المناسب، وهو ليس عسيراً.
ويرى بعض المختصين أن أخطر أنواع هذه الدعاية هي التي تخفي شواهد وجودها، ولعل من أهم وسائل إخفاء الوجود استخدام تلك الألفاظ الموحية والمشحونة عاطفياً.
وقد يبدو للفئة المثقفة أن ما تقوم به تلك الوسائل الإعلامية مكشوف، ومفضوح، مما يجعلهم يقلِّلون من تأثيره أو حتى ينكرونه! بحكم معرفتهم بتلك الأساليب المستعملة، ولكن الحقيقة كما يراها الدكتور محمد محمد يونس علي- اتفق معه تماماً- أن التأثير حاصل في الحالين، أي في حال الجهل بتلك الوسائل وفي حال العلم بها، غير أن الخطورة تزداد قطعاً في حالة الجهل بها، وإنما كان التأثير حاصلاً في الحالين لأن المخاطبة التي من هذا النوع تتجاوز عادة عقل السامع، وتتسرَّب مباشرة إلى عقله الباطن، ويزداد تمكنها وترسبها في أعماقه كلما تكرر الاستعمال، فالصخور تقاوم المياه التي تنهال عليها مدة من الزمن، ولكن لا بد من ترك تأثيرات جلية عليها مع مرور الزمن.
هذا ما تسمح به مساحة المقال، وهو كلام نظري، وسأعرض أمثلة حيَّة في مقالات قادمة إن شاء الله، خصوصاً أن الإناء بما فيه ينضح في وسائل إعلام فقدت مصداقيتها، وكشفت سوأتها! فالأيام القادمة كفيلة بذلك.