سمر المقرن
في خِضّم هذه التجمعات الكبيرة داخل المجتمع «التويتري»، وهذه الترتيبات المُنظمة بين أشخاص من الداخل والخارج، كلها تدعو إلى إقصاء الآخر المختلف ولو برأي بسيط، وتُحرّض على من تختلف معه، وتعمل ضمن شللية إلكترونية واضحة للتنمر على المخالف وأحياناً غير المخالف، بأسلوب فج ومقزز يُذكي النار ويشعل منهج التنمر، ما يجعل الإنسان يقف حائراً يبحث عن وصف لهذه الثلة التي تستمتع وتتلذذ بالألفاظ القاسية والشتائم والتكفير الوطني وغيرها من السلوكيات العجيبة والمؤلمة في الوقت ذاته.
لا أتوقع أنه بإمكاننا أن نأخذ كل شخص من هؤلاء على حدة، ونُخضعه للعلاج النفسي ونقوم بعملية تطهير لقلبه وأفكاره، فهذا ليس بالأمر المنطقي، إنما في مقابل هذه السلوكيات الشريرة فلا بد أن نُكثف دورنا في نشر ثقافة التسامح، فلعل مثل هؤلاء ممن طغى جانب الشر على شخصياتهم أن يكون هناك توازن أمام محاولة استخراج جانب الخير من داخلهم، وأن تكون ثقافة التسامح دارجة بين الأجيال التي من الممكن أن تتأثر بمثل هذه السلوكيات التي تستخرج الشر من أعماق الإنسان، وأن تعمل على ردم الفجوات الشريرة في النفوس!
إن نشر مفاهيم التسامح، بحاجة إلى تحديد المصطلحات أولاً وإيضاحها، حتى لا يُساء فهمها أو ممارستها، إذ أن التسامح لا يعني أن يكون الشخص سلبياً أو غير مكترث، بل هي موقف إنساني عظيم ينأى بنفسه عن التعصب والظلم والعنف والتنمر بكل أشكاله، بما فيه التنمر الإلكتروني الذي أصبح يُمارس بشكل فج وواضح بهدف نشر العنصرية والكراهية والمفاهيم الإنسانية السلبية التي تُبرز وتُظهر جانب الشر في الإنسان!
إننا اليوم أمام قوانين رائعة وواضحة وصريحة تكافح كل هذه السلوكيات، لكن هذه القوانين بحاجة إلى أن تقف بجانبها ثقافة التسامح التي تبدأ من الفرد نفسه قبل المؤسسات والجهات المعنية بمعالجة هذه الآفة، العلاج من داخل الإنسان بثقافة تنتشر لتُظهر جوانب الخير من أعماقه وحتى تترجمها سلوكياته في أبسط المواقف قبل أكبرها.
لعلنا اليوم على أعتاب مناسبة عظيمة في يوم 16 نوفمبر، إذ هو اليوم الدولي للتسامح، والذي يعتبر مناسبة مهمة لأن يقوم الأفراد بأدوارهم في نشر هذه الثقافة، وأن تقوم المؤسسات والمدارس والكليات بالتفاعل مع هذه المناسبة وعمل فعاليات تهدف إلى نشر هذه الثقافة وتفعيلها ولو بأبسط التفاصيل.. كل عام وقلوبنا عامرة بالتسامح ونفوسنا مُتَقدة بأنبل معانيه.