د.مساعد بن عبدالله النوح
من مسلمات العلاقات مع الآخرين، أن يوجد شخص ما أو أكثر، أو جهة معيّنة تكره لك النجاح والسمعة الطيبة والصيت الحسن نظير نجاحات متتالية على مختلف المستويات، وبشكل ضمني أو علني، وربما ارتكبت حماقات مكشوفة دون حياء من دين أو ضمير أو من الناس، وعملت على نشر شائعات صادمة وحرجة؛ لتأليب الآخرين عليك، وإسقاط هيبتك في أفكارهم وأحاديثهم وأفعالهم، متناسين سقطاتهم الهمجية المدوّية في مواقف حياتية عديدة، مستعينين بكل الإمكانات المتاحة. لذلكَ يجب التعرّف على كيفيّة التعامُل مع هؤلاء على بصيرة.
يبدأ التعريف بكيفية مواجهة الخصوم من الصغر، ففي الوقت الذي يجب على الأسرة أن لا تفسد براءة الطفولة لدى أبنائها، إلا أنها مطالبة بتعريفهم بأن الحياة بها الإنسان الحميم والإنسان الخصم، وأن هذه طبيعة الإنسان في كل زمن ومكان. ولا غرابة أن نجد من حيث الشخصية أفراداً متزنين وآخرين مهزوزين عند التعامل مع الآخرين.
والمواجهة ليست صعبة، أو ضرباً من الخيال، كما أنها لا بد أن تكون مخطّطة بحنكة؛ لتحقق أهدافها. وقد حدّدت كتابات ذات صلة بهذا الموضوع أساليب مواجهة الخصوم، وهي تختلف من موقف لآخر، ومن شخصية لأخرى، ومن جهة لأخرى، وقد يجمع الإنسان أو الجهة هذه الأساليب معاً في مواجهة خصومها، وقد تأخذ بأحدها. ولكل أسلوب هدفه وخطته للمواجهة. ومن هذه الأساليب:
فهم الخصم، وهذا الأسلوب يتطلب معرفة خلفية سابقة عن الخصم: الاجتماعية والنفسية والاقتصادية والثقافية، كما يتطلب تحديد الغرض من الخصومة، فمن الخصوم من يغارُ لتفوّق الشخص في حياته، وحصوله على كل ما يريد، ومنهم من يكرهه بدون أي سبب يذكر، ومنهم من تعرّضَ للأذية من قبل الشخص بقصد أو بدون قصد، لذلِكَ عليه معرفة نوعية خصمه وسبب العداوة فيما بينهم. كما يتطلب مُراقبة الخصم: يُقال بأنَّ الاهتمام ليسَ جيّداً بالخصوم؛ لأنَّ ذلِكَ ربما يجعلهم يشعرونَ بثقة في أنفسهم، وهذا لا يعني عدم أخذ الحيطة والحذر عن طريق المُراقبة من بعيد، فعلى الشخص أن يعرف جميع تحرُكات خصمه حتّى يكونَ قادراً على التعامُل مع الضبط الانفعالي، وهذا الأسلوب يتطلب إظهار الثقة بالنفس من خلال الأريحية عند المواجهة والبعد عن التوتر، فالخصم دائماً ما يرغب في مشاهدة ردود أفعال الشخص عند المقابلة. فيلزم عدم إظهار أي تغيير في السلوك أو إبداء أي اهتمام. ففي حال رؤية الخصم في مكان عام أو مناسبة رسمية أو شعبية على الشخص التعامل معهُ وكأنّه شخص عادي أي وجوده مثل غيابه، وتجنُّب الارتباك أو حتى مغادرة المكان بسرعة، لأنَّ ذلك سيمنحه شعوراً من الرضا والسعادة. كما تتطلب هذه الخطوة كسب مجموعة من الأصدقاء، فتواجد الشخص بالقُرب من العديد من الأشخاص أثناء مُقابلته لخصمه سيجعلهُ يخاف ويرتبك، لأنَّ الخصوم والكارهين في العادة يتلذّذونَ بأذية الشخص وجعله يشعُر بعدم الراحة عندما يكونُ وحده، لذلِكَ على الشخص الاستمتاع بوقته مع أصدقائه وعدم الاكتراث نهائياً بخصمه. كما تتطلب هذه الخطوة الذكاء والاجتهاد، وهذهِ النُقطة خاصّة بالخصوم الذّينَ يوجدونَ مع الشخص في الدراسة أو العمل، فبِمُجرّد أن يروا الشخص مُجتهداً ومُتفوقاً في دراسته أو عمله سيشعرونَ بالغضب والاستياء من ذلك، مما سيجعل موقفه أقوى أمامهم.
تدوير الإساءة، ويعني هذا الأسلوب أن تضع الإنسان الذي يسيء إليك في موقف الإساءة ذاتها، وهذا أيضًا من الأساليب النّاجعة في الرّدّ على الخصوم؛ حتى يشعروا بوقع الإساءة وتأثيرها على النفس، فقد يرتدع عن فعل ذلك مستقبلاً. وهذا الأسلوب ينفع مع أفراد معينين لديهم ميل للآخرين والارتباط بهم ويحذرون من الإساءة لهم.
المحافظة على الخصوصية، فالخصم سيحاول أن يصل لأي من أسرارك المخفية؛ ليستفزك بها وقد يدفع أموالاً لجلبها، وبالتالي يساومك عليها، وسر نجاح العظماء هو عدم إفشاء الأسرار، والانضباط في كافة التصرفات السرية والعلنية.
تجنب أماكن وجود الخصوم قدر الإمكان، فإذا لم يكن هناك سبب من الاختلاط مع خصومك، فابتعد عنهم؛ لعدم منحهم فرصة للإساءة إليك فقد يمتلكون مهارة في التأثير على الآخرين أكثر منك.
التصدي للخصم، فإذا كان خصمك عاماً وظاهراً، فقد يكون هذا الخصم ضد تفكيرك أو الدين أو الوطن، وهنا يجب مواجهته، لئلا يجد فرصة لمهاجمتك أو مهاجمة مجتمعك، ومن أفضل الطرق التي تفيد هي تسلحك بالعلم لمواجهته باقتدار وبلغته، ويمكن التقرّب منه لمعرفة أسراره ومحاربته بطريقته ذاتها.
تقديم النصيحة لمن أساء إليك، فكم من خصم يتمادى في فعله بسبب قلّة النّاصحين وغياب الواعظين، فعلى الإنسان أن يحرص على أن ينصح إلى من يسيء إليه ويعظه ويذكّره بإثم الإساءة والاعتداء على النّاس.
التسامح والعفو، وهذا الأسلوب يستحضر التأثيرات السلبية للخصومات على حياتنا: أنفسنا، وصحتنا، وتفكيرنا، فإن قدّم خصمك مبادرة للصلح وهو لم يتجاوز في الإساءة معك الخصومة المعقولة، فلا ترفضها، وحاول أن تنسى ما حدث منه، وتعامل معه بقلب صاف ودعك من الماضي، فإن ذلك سيكون له تأثيره الكبير على تحول العلاقة تحولاً كبيراً، ولتكن تجاربك السابقة مع خصومك تجربة تستفيد منها في حياتك، ويعد التسامح من الآداب الإسلامية في التعامل مع الغير، لذا فحاول أن تعفو وأنت قادر وتجاوز عن أخطاء الآخرين مع الحذر الشديد منهم.
ربنا أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.