فوزية الجار الله
حين تغيب الأصوات، يصمت إيقاع الأحذية، حتى أنفاس من حولك تبدو حذرة، كل شيء يبدو محتشداً لأجل هذه اللحظة، حين تستقر الورقة البيضاء أمامك وتهطل الأسئلة مطالبةً إياك بالإجابة، لعلك هنا تُكرم أو تُهان، ولن تهان بإذن المولى.
يقترب يوم الامتحان، تستغرفني الكثير من التحركات والالتزامات، أحسب الساعات المتبقية، يبدو أنه لامناص من المواجهة، هل أعتذر عن الحضور؟! كيف وافقت على قراءة هذا الكتاب الممل بأكمله استعداداً للامتحان، هكذا دون دروس عملية أو نظرية؟! ما بين رغبتي الشديدة في الالتحاق بالدورة وحاجز اللغة الذي جعلني لا أفهم كافة الإجراءات القادمة منذ الوهلة الولى.. لا بأس سأفعل أقصى ما أستطيع وليكن ما يكون!
يوم الامتحان، يبدو الطقس بارداً بشدة وما زلنا في أواخر شهر أكتوبر، هكذا هي أجواء مدينة اسطنبول متقلبة، ترتفع الحرارة أو تنخفض فجأة دون إنذار مسبق، شعرت بتجمد أصابعي حالما وصلت مقر الامتحان. توجهت إلى الرجل الواقف خلف البوابة الحديدية التي بدت مواربة، تأكدت من صحة الموقع للمرة الثانية، قال لي رجل الأمن ذو الثياب الأنيقة: تبقّى على الامتحان الذي سيكون في السادسة مساء أكثر من ساعة ونصف، يمكنك الحضور إلى هذه البوابة قبل الوقت بنصف ساعة.
توجهت إلى المقهى الخلفي الصغير، طلبت فنجاناً من الشاي أرتشفه بذهن شارد وأحاول القراءة، يضيق الوقت ولم أعد أستوعب لشدة القلق والتوتر، أخذت نفساً عميقاً وأغلقت الكتاب، لا فائدة، حين مضينا هناك، اجتمعنا وقوفاً تحت أحد الجوانب المظللة من الفناء الواسع، نحن الآن في الكلية التقنية عرفت هذه المعلومة من قراءة اللوحة الخارجية المثبتة أعلى البوابة، نظرت حولي وجدتهم جميعاً من الجنسية التركية فيما يبدو، لا أحد يتحدث لغتي، يا للأسى! أخبرني المسؤول في المكتب: ستجدين عرباً مثلك، لكنني لا أجد أحداً! أشار إلينا الموظف بالتوجه إلى القاعة..
حين استقر الجميع على مقاعدهم، أخذ يحدثهم باللغة التركية، من خلال نظراتهم وأسلوبه في الإلقاء فهمت بأنه يلقي إليهم فيما يبدو توجيهات مهمة حول الامتحان، كلهم يفهمون باستثنائي أنا! أتمتم بيني وبيني بغضب هذه عنصرية!.. كنت مترددة قليلاً خوفاً من رد فعلهم، حين انتهى من الحديث بادرته قائلة بالإنجليزية وببعض الإشارات المصاحبة: أنا عربية، لم أفهم شيئاً! قلتها على وجل، لكنهم اقتربوا ثلاثتهم مني، امرأة ورجلان، توجهوا إلي بشيء من الاهتمام الذي أراحني قليلاً أخذوا يحدثونني بالتناوب عما ينبغي أن أفعل: ضَغَطَ على الزر سريعاً، انتظري قليلاً سترين هنا أيقونة اللغة العربية ثم أكملي الخطوات! توكلت على الله وبدأت، انتهيت قبل الوقت المحدد، آه.. هي تجربة يا امرأة!
توجهت إلى الرجل الواقف في نهاية القاعة، أشار بإصبعه إلى الورقة، كان اسمي مدوناً عليها، سمعته يقول بهدوء: فضلاً وقعي هنا.