تقع مدينة بريدة وسط منطقة القصيم على خط عرض 26.20 وخط طول 53.58 وهي عاصمة المنطقة وقلبها النابض وتعد ثاني مدينة وسط المملكة العربية السعودية من حيث المساحة وعدد السكان والعمران بعد الرياض، تحيط بها الكثبان الرملية الذهبية وتزيِّنها الخضرة وجداول المياه العذبة. وتمت عمارة هذه المدينة عام 985هـ تقريباً وسميت بهذا الاسم لبرودة مائها. واختلفت آراء الباحثين والدارسين عن تسمية بريدة، ولم يتفقوا على سبب معين وعللوا ذلك على أن الاسم قديم جداً، ولم يجدوا وثائق تاريخية مكتوبة يستند إليها إلا أقوال رواها بعضهم عن بعض، فقد قيل إن سبب تسمية (بريدة) ينسب إلى أول من عمرها رجل يقال له البريدي فسميت على اسمه، وقيل في تسميتها إنها كانت روضة مياه ينبت فيها نبات البردي، وكانت هذه الروضة التي تقع في الأراضي الطينية في غربي المدينة القديمة تسمى (البردية) نسبة إلى البردي ثم حرف هذا الاسم حتى أصبح بريدة، وقيل إن السبب في تسميتها ببريدة أنه كان في غربها وهو مكانها الأول روضة تجمع فيها المياه حتى إذا غاض ماؤها أصبحت باردة فسماها الناس (بويردة) بالتصغير ثم (بريدة) تخفيفاً، وقيل إن بريده سميت بذلك لأن أصلها كان بئراً لإبل الصدقة حفرها بريدة بن الحصيب الأسلمي - رضي الله عنه - الذي أرسله الرسول صلى الله عليه وسلم لتفقد إبل الصدقة، إلا أن العلامة محمد بن ناصر العبودي عارضها بشدة لأنه لا يستدل إلى مصدر تاريخي، حيث اختار من الأقوال أن أصل تسميتها (بريزة) بالزاي ثم لما اتسعت العمارة فيها قويت شوكة أهلها وبردت لهم خالصة دون غيرهم وسموها بريدة.
الأسوار والأبواب
إن أسوار بريدة القديمة هي من أولويات التخطيط والإنشاء في البلدة لبناء المساكن والمرافق؛ لأنها الدرع الواقي لمن في داخلها من الغزاة وغيرهم من الذين قد لا يمنعهم إلا حماية الأسوار وحراسها، ويحرصون على بنائها من خامات البناء المتوفرة في أراضيهم من أحجار وطين التي يحضرونها من مقاطع الجبال ومطاين التربة القريبة من البلدة على ظهور الإبل والحمير والبغال وفي البدء لعملية البناء فإنهم يخططون ويحددون الأسوار ومواقع القلاع والأبواب ويحفرون الأساس للأحجار حفر عميقة تصل لأكثر من ثلاثة أذرع وسمكه قد يسير عليه البعير لتفريغ الطين لمواصلة البناء، ومن الأسوار القديمة في بريدة:
1- سور الدريبي: وهو أول سور بني ومعروفاً في بريدة وقد بناه حمود الدريبي، تقدر مساحة المنطقة العمرانية المحيطة بالسور بـ 8000 م2 ويبلغ طول محيطه أكثر من 360م.
2 - سور حجيلان: المشهور بتصديه لحصار الغزاة وهو أمنع سور أدير حول بريدة في كل تاريخها لأنه صمد للمدافع والآليات، وقد عجزت عنه مدافع العراق بقيادة ثويني ومدافع مصر التي أحضرها إبراهيم باشا.
3 - سور حسن المهنا: بناه حسن المهنا عام 1307م.
4- سور صالح الحسن: أقيم عام 1321هـ ودعم بالأبراج والمحاريب وكان آخر سور في بريدة حتى الآن.
الأمن والأمان
إن الأمن في بريدة قبل استتبابه في عهد الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - لمن داخل الأسوار التي تغلق مع غروب الشمس، أو الذي يخرج من أبوابها مع بزوغ الفجر بقوة رجال وبطش سلاح، أو إتاوة لقبيلة تحميه.
تقول الرحالة الإنجليزية الليدي (آن بلنت) عن الإتاوة التي تدفع لشيوخ القبائل من أجل سلامة المسافر: فإن سلامة السفر خارج أسوار المدن هو أساسي لحياة كل مدينة في بلاد العرب، وعلى هذه الضرورة يقوم البنيان السياسي بأكمله، فكل مدينة تضع نفسها تحت حماية شيخ بدوي في منطقتها، وهو بالنظر إلى الإتاوة السنوية «الأخاوة» يضمن لأهل المدينة السلامة خارج أسوارها ممكنا لهم بذلك من السفر غير مضايقة على طول امتداد سلطته.
أمراء بريدة
تعاقب على إمارة بريدة منذ تأسيسها في سنة 985هـ إلى سنة فتح جلالة الملك عبدالعزيز -طيَّب الله ثراه - في سنة 1322هـ عدد من الأمراء، وهنا بيان بأسماء الأمراء:
راشد الدريبي 985 هـ، حمود عبدالله الدريبي 1153 هـ، راشد حمود الدريبي 1154 هـ، راشد الدريبي 1182 هـ، عبدالله بن حسن من آل عليان 1184 هـ، راشد الدريبي 1188 هـ، عبدالله بن حسن 1189 هـ، حجيلان بن حمد من آل بن عليان 1190 هـ، عبدالله بن حجيلان بن حمد من آل بن عليان 1234 هـ، رشيد سليمان الحجيلان 1235 هـ ، عبدالله بن محمد بن عبدالله بن حسن 1235 هـ، سليمان بن عرفج 1236 هـ، محمد العلي العرفج 1237 هـ، عبدالعزيز بن محمد بن عبدالله من آل أبوعليان 1243 هـ، عبدالمحسن بن محمد بن عبدالله من آل أبوعليان 1266 هـ ، عبدالعزيز بن محمد بن عبدالله 1267 هـ، عبدالله بن عبدالعزيز بن عدوان 1275هـ، محمد الغانم من آل أبي عليان 1276هـ، عبدالعزيز بن محمد بن عبدالله 1276هـ، عبدالرحمن بن ابراهيم من بن سعود 1277هـ، محمد بن أحمد السديري 1279هـ، سليمان الرشيد من آل ابوعليان 1280هـ، مهنا الصالح أباالخيل 1280هـ، حسن بن مهنا اباالخيل 1292هـ، حسين بن جراد من قبل بن رشيد 1308هـ، الحازمي بن سالم بن سبيهان 1318هـ، عبدالرحمن صبغان من قبل بن رشيد 1321هـ، صالح حسن المهنا 1323هـ، محمد عبدالله أباالخيل 1324 هـ، عبدالله بن جلوي 1326 هـ، فهد بن معمر 1329هـ، عبدالعزيز بن مساعد بن جلوي 1334هـ، فهد بن معمر 1336هـ، عبدالرحمن بن معمر 1339هـ، عبدالعزيز بن مساعد بن جلوي 1340هـ، مبارك بن مبيريك 1342هـ، مشاري بن جلوي 1346هـ، تركي بن ذعار 1349هـ، مبارك بن مبيريك 1351هـ، عبدالله بن فيصل آل فرحان 1354هـ، عبدالله بن عبدالعزيز بن مساعد 1366هـ، محمد بن بتال 1375هـ، سعود بن هذلول 1378هـ، فهد بن محمد بن عبدالرحمن 1382هـ وذلك قبل أن يتولى إمارة القصيم صاحب السمو الملكي الأمير عبدالإله بن عبدالعزيز آل سعود 1400هـ، ثم صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن بندر بن عبدالعزيز آل سعود 1412هـ، ثم صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن مشعل بن سعود بن عبدالعزيز آل سعود 1436هـ.
الرعي والزراعة
تحيط خلف أسوار بريدة الغربية الجنوبية الشرقية بخبوب «جمع خب» بفتح الخاء وتشديد الباء وهي مزارع وبساتين للأهالي لزراعة واستثمار كثير من المحاصيل التي من أكثرها إنتاجاً داخل الأسوار وما ورائها من ضواحي وبلدان الحبوب والبقول والتمور وكذا الفواكه والخضار والأعلاف.
ومن أكثر المحاصيل التي يحرص المزارع في خبوب بريدة القديمة على زراعتها واستنباتها حبوب القمح والشعير والذرة وحبوب الكوسة واللوبيا والقرع وغرس الفواكه والخضار والنخل غير أن القمح من أهم النباتات التي يحرص عليها الفلاح منذ أن عرف استنباته في الأرض لأن منه يعد الخبز المصدر الرئيسي له.
أما النخل وما يعلو رؤوسه من بلح ورطب فإنه من أهم المحاصيل وأبركها للمزارع لما يجده من إقبال لا نظير له من المتسوق حتى وقتنا هذا لأنها أيسر وأبرك وأبقى النباتات لا تحتاج إلا لخدمة لا تزيد عن السقاية والسماد والحرث والتهذيب.
التعليم
التعليم في بريدة كان عبر حلقات في أروقة المساجد لتلقي العلوم الشرعية العربية والتاريخية ويجتمع لتلقيها طلبة العلم الذين يحضرون من أماكن قريبة وبعيدة راجلين وراكبين الدواب يتسابقون لسرعة وصول مقدمة الحلقات، ويجثون على الركب أمام مشايخهم الأفاضل لأخذ العلوم منهم، والذي لا يحصل عليها إلا قلة من الذين فرّغوا أنفسهم لطلبه، حيث إن أكثرهم انشغلوا وآباؤهم بالتجارة أو الفلاحة أو الصناعة.
مستويات التعليم
يعمل (المطوع) المكلّف بالتعليم على فتح إحدى الغرف أو الملاحق الخاصة بمنزله لتعليم التلاميذ وتسمى دور الكتاتيب، حيث يأخذ المعلم أجره بقدر استطاعة أولياء الأمور، فهذا يدفع حزمة الحطب نهاية كل أسبوع والأخر يقدم شيئاً من التمر عند جذاذة النخل وغيرهم يقدم قمح أو شعير عند الحصاد ويدفع بعضهم قرشاً أو نصف قرش في الأسبوع ممن يملكون النقود، كما يقدم الطالب زكاة الفطر التي تخصه لأستاذه، وإذا تأهل الطالب للتخرج من إحدى دور الكتاتيب أعد له احتفال «ختمة» لإتمامه تلاوة القرآن الكريم، ينتقل من منزل المطوع راجلاً أو راكباً وفي رفقته المطوع ومن خلفهم التلاميذ إلى أن يصلوا منزل والد التلميذ يباركون لأهله تخرجه من الكتاتيب، حيث أن لها في زمانهم منزلة عظيمة لا تقل عندهم عن منزلة خريجي الجامعة في زماننا.
أمثلة على دور الكتاتيب المتقدِّمة في بريدة القديمة:
1 - مدرسة الشيخ عبدالله من ابراهيم المعارك، المتوفى في سنة 1337هـ.
2 - مدرسة الشيخ محمد بن صالح الوهيبي، المفتتحة سنة 1336هـ.
3- مدرسة الشيخ ناصر بن سليمان بن سيف، المتوفى في سنة 1339هـ.
4 - مدرسة الشيخ صالح من محمد الصقعبي، المتوفى في سنة 1358هـ.
5- مدرسة الشيخ محمد بن عبدالله الهويمل، المتوفى في سنة 1376هـ.
كما أن التعليم لا يقتصر على الأولاد وإنما للبنات نصيب من التعليم، حيث إن الكثير منهن يخلفن المطوعة بالتعليم بعد تخرجهن.
أمثلة على أشهر الكتاتيب النسائية التي فتحت
في بريدة قديماً:
1 - مدرسة أم الهزاع جنوب مسجد محمد الصالح المطوع.
2 - بنت ابن سطام غرب بريدة.
3 - أم الفوزان قرب مسجد العيد.
4 - أم الدخيل الله غرب مسجد ناصر.
5- مدرسة هيلة السيف.
6- مدرسة أم الصقعبي.
هذا إلى أن بدأ التعليم النظامي في عهد الملك عبدالعزيز آل سعود طيب الله ثراه، بفضل الله ثم بفضل نظرته الثاقبة لأهمية التعليم لتحرير أبناء الجزيرة من الجهل والأمية بإشراقة نور العلم والمعرفة الذي أضاء ظلاماً دامساً طالما تمنوا إزالته.
القضاء والقضاة
يتم اختيار القضاة في بريدة قديماً من طلبة العلم ممن تعلّموا على يد علماء ومعلمين أفاضل في حلقات أروقة المساجد ودور الكتاتيب التي لا تقل منزلة عن مؤسسات التعليم في زماننا.
ومن القضاة في بريدة العلامة سليمان بن علي المقبل - رحمه الله - وذلك لمدة أربعين عاماً، ومن بعده عين الشيخ محمد بن عبد الله بن سليم.
هذا ولا يوجد في بريدة قديماً محاكم أولى ولا ثانية ولا كتابة عدل أولى ولا مستعجلة إنما داخل الأسوار في المسجد أو منزل القاضي، أما القضايا العادية فيبت أحكامها في طريقه من وإلى المسجد أو المنزل.
الأسواق والتجارة
تخصصت أسواق بريدة في بيع وشراء السلع المحلية، لأنها وجهة الداني والقاصي من الحضر والبدو الذين وجدوا في إستراتيجية الموقع واعتدال المناخ وخصوبة الأرض وطيبة الأهل أهمية كبيرة لعرض وبيع وشراء مختلف السلع التي من أكثرها شهرة وعرضاً الإبل والخيول، ويعد سوق الإبل في بريدة من أكبر الأسواق وأكثرها شهرة في العالم، فقد تحدث عنه كثير من المؤرخين والرحالة العرب والأجانب ومنهم المستر توتشل، كما أن للإبل تجاراً عرفوا منذ أزمنة بعيدة برجال عقيل الذين اشتهروا بتجارتها وتجارة غيرها من البضائع.
الماء ومصادره
الأمطار من مصادر المياه في بريدة، كما أن الآبار من مصادر المياه الرئيسة، ومنها التي حفرت في أفنية المنازل داخل الأسوار وآبار أكثر اتساعاً وأطول عمقاً في البساتين القريبة في الأسوار، ومن أكبر البساتين شهرة لدى المؤرّخين والباحثين وكبار السن: البوطة، والغاف، والعجيبة، وآبار الرفيعة، والصباخ والعكيرشية، حيث حفرها أصحابها لسقيا بساتينهم والسابلة والمقيمين من أبناء بريدة والرحل من أبناء البادية.
الأسلحة والدفاع
كان من النادر أن يخرج المسافر من أبواب أسوار بريدة وغيرها من البلدان القديمة إلا وقد تسلح بأحد الأسلحة المتوفرة في زمانه ومن أكثرها السيوف وللناس عليها إقبال كبير لأجل اقتنائها، حيث هناك الطويل الذي يمتاز بعدم استطاعة العدو الوصول لحامله، أو الصغير القابل للانحناء وهي أشد ضربا وبترا لثقلها وحدتها ويستخدمونها أثناء منازلة العدو ولكنها أقل حماية لصاحبها في منازلة عدو يحمل سيفاً أكثر طولاً، أما المسافر في أزمنة بريدة الغابرة لابد أن يكون تحت حماية إمارته أو رئيس قبيلة أو (خوة) تضاهي قوة ما قد يعترضه من غاز أو قاطع طريق، ولا يقتصر حمل السلاح في الغزو والحرب، إذ يستخدمونه لحماية من داخل الأسوار، حيث تغلق أبواب هذه الأسوار مع غروب الشمس ولا تفتح إلى بعد طلوع الفجر وعلى كل باب حراس أشداء خلفها أو في الأبراج مجهزين بالأسلحة المختلفة، فاللذين خلف الأبواب يحملون السيوف والخناجر والعصي والذين في الأبراج يحملون الأقواس والنبال والرماح.