رقية سليمان الهويريني
ساهمت الحركات الحزبية بدور ملموس في تغييب مفهوم الانتماء للأوطان بمقابل بث الدعوات الأممية وتضخيم مفهومها على مدى أربعة عقود! والملاحظ أن كثيراً من السلفيين يأنفون تداول مصطلح المجتمع أو الوطن في أحاديثهم، وبالمقابل يتم إعلاء مصطلح الأمة الإسلامية! ويندرج تحت هذا المفهوم رفضهم الحدود السياسية التي تشكِّل عقبات وحواجز أمام توحيد الأمة العظيمة، وقد أخذ الفكرة وتبناها بعض المنتمين للدول الفقيرة أو ذات الاقتصاد المتدني من أجل التوزيع العادل للثروة بزعمهم! كما أنها تسببت باستغلال أبنائنا في الداخل بشبهات حول الوطن بهدف ترسيخ مفاهيم مغلوطة حول الأمة الإسلامية، مما نتج عنه قيام تنظيمات سياسية مشبوهة تلطخت أيديها بالدماء وقتل الأبرياء!
وتقاعست مناهج التعليم في المملكة في تعظيم أهمية المواطنة والانتماء للوطن بالقدر المأمول، مما نتج عنها مشكلة نفسية عند بعض الشباب حول معنى الانتماء والمواطنة! وهو ما أشار إليه كثير من المفكرين والمثقفين والكتَّاب وحذَّروا منه! حيث كان ولا يزال الطرح الإسلامي - حتى المعتدل منه - لا يولي شأن الانتماء الوطني العناية، عدا عن الدعوة له، إن لم يكن إهماله مقابل الاهتمام بالوطن الإسلامي الكبير.
وقد أدى الانسلاخ عن المواطنة والشعور بها لإحداث شرخ بين بعض الأفراد والمجتمع الذي ينتمون له، لا سيما ممن يطلق عليهم (ملتزمون)! ولعل وزارة الشؤون الإسلامية تعنى بالتأصيل الشرعي لفقه الانتماء والمواطنة من خلال توجيه خطباء المساجد لتوعية المجتمع، وكذلك الوعاظ المنتشرين في المساجد وممن لهم مريدون وأتباع ومنتهجون لأسلوبهم في قنوات التواصل الاجتماعي، لا سيما أنهم هم من تسببوا في وجود هذه المعضلة وساهموا بتضليل الناس سابقاً وأحدثوا الخلل في الأفكار، مع ضرورة إيضاح مفهوم الدعوة والعمل الدعوي وترسيخ مبادئها بين الأئمة والخطباء، وإلزامهم بإحلال موضوع المواطنة والانتماء للوطن بدلاً من التركيز على الصراعات الإقليمية التي تشهدها الدول العربية والإسلامية ممن هو خارج اختصاصهم.