يُعتبر حب الوطن والدفاع عنه ونصرته مطلبًا أساسيًّا، وواجبًا على كل فرد. ويُعد حب الوطن شعورًا إنسانيًّا فطريًّا، كما أن تعاليم الدين الإسلامي الحنيف تحث على حب الوطن، وإعلاء مصلحته فوق أي مصلحة أخرى. وإن تطبيق مفهوم حب الوطن يتمثل في حب الوطن فعليًّا، وذلك بالشعور بالانتماء الحقيقي له، وعدم الاكتفاء بالشعارات، بل أن تتم ترجمتها لأفعال حقيقية، تعبر عن صدق ذلك الحب، كالخوف على مصلحة الوطن، والإسهام في الحفاظ على أمنه وأمانه، وتجنب نشر الفتن. أيضًا يتمثل حب الوطن باتباع القوانين العامة، وبالابتعاد عن الممارسات التي تتسبب بالفوضى، كقطع الإشارات المرورية، ونهب الممتلكات، والتصدي لكل ما يمكن أن يمس أمن الوطن، وردعه، والوقوف بوجهه بمختلف الوسائل الممكنة، والدفاع عن الوطن دائمًا قولاً وفعلاً. فإذا كان الوطن هو منبع الذكريات عند الإنسان فهذا الوطن يستحق أن يدافع هذا الإنسان عنه بكل ما أوتي من قوة ومن جهد حتى لو كلفه ذلك حياته، وهذا ما رأيناه في صور التضحية التي ضحاها البشر على امتداد التاريخ. وجاء الله تعالى بأديانه السماوية ليؤكد هذه العلاقة. ففي الإسلام من جاهد في سبيل وطنه كان جهاده هذا في سبيل الله؛ فالدفاع عن الوطن لا يكون إلا إن تعرض هذا الوطن للاعتداء. ومن أبرز أشكال الاعتداءات التي قد يتعرض الوطن لها، وربما يكون هذا الشكل أبرزها، هو الاعتداء من قِبل دولة أخرى على هذا الوطن بقصد تسخير الشعب، وبقصد امتلاك ثروات هذه الأرض كافة، أو بهدف التوسع الجغرافي للدولة الأخرى المحتلة على حساب دولة أخرى. وربما يكون هذا الاعتداء لأسباب عقائدية وأيديولوجية. وأيضًا قد يكون هذا الاعتداء بهدف الطغيان. وكل أنواع الاعتداءات هي طغيان.
أما النوع الثاني من أنواع الاعتداءات المتنوعة على الوطن فيكون بأن يتعرض هذا الوطن لمخطط لتقسيم أرضه وشعبه إلى فئات متناحرة ومتذابحة بعد أن كانوا يعيشون جيرانًا وأهلاً على أرض واحدة، ولهم ذكريات واحدة. وهذا الاعتداء هو تمهيد في الغالب للاعتداء الأول. وربما يكون هذا الاعتداء من قِبل الآخرين بأيدي أبنائه الذين سُممت أفكارهم، وغُذيت بالكراهية والحقد وعدم تقبُّل الآخرين المختلفين عقديًّا أو أيديولوجيًّا، وتقبُّل فقط المساوين المتطابقين بكل شيء. في حين أن النوع الثالث من أنواع الاعتداء على الوطن هو عن طريق الفساد الداخلي لأبناء هذا الوطن، عن طريق نهب ثرواته، وعدم تحمُّل أمانة المسؤولية العظيمة التي أُلقيت على عاتقهم في صون مقدرات الوطن وثرواته وثروة المواطنين جميعهم. وهذا هو السبب الرئيسي لضياع الأوطان في العالم الثالث اليوم.
وتتعدد طرق الدفاع عن الوطن؛ فتكون بالجهاد في سبيل الله ضد الأعداء المهاجمين المعتدين. وفي هذا السياق لا يجوز لأي شخص من المعتدى عليهم أن يعتدي وأن يهاجم أشخاصًا لم يهاجموه؛ فالأصل هو السلام، والحرب هي الحالة الشاذة التي تشذ عن المنطق وعن خطة الله تعالى في الأرض التي وضحها في كتاب الله تعالى المنزل على عبده ورسوله محمد - صلى اله عليه وسلم -، والتي وضحها أيضًا في باقي الكتب السماوية. حب الوطن هو غريزة، والدفاع عنه فرض على كل قادر أخلاقيًّا ودينيًّا؛ لأن الدفاع عن الوطن هو دفاع عن الإنسان وعن ذاكرته وعن عقله وعن هويته.. والدفاع عن الوطن هو دفاع عن الشعب الذي تربى الإنسان بينهم، وشاطرهم أفراحهم وأتراحهم.. فكل هذه الأمور (تستاهل) من الإنسان أن يدافع عنها، وأن يقدم الغالي والنفيس من أجل الحفاظ عليها. تواصل هذا الصراع بين التطرف والاعتدال حتى ظهور ما سُمي بـ»الربيع العربي»؛ إذ جنت جماعات الإسلام السياسي حينها ثمار خطابات التحريض والكراهية وتهم التخوين والعمالة للحكومات الغربية في تهييج الشارع العربي، وتم تغليف كل ذلك بغلاف ممهور بشعارات خادعة، تدعي الحرية والعدالة الاجتماعية، وشاهدنا جميعًا حينها كيف تسابقت القوى الغربية من قيادات سياسية وشخصيات فكرية ومؤسسات إعلامية في دعم هذه الفوضى التي ذكّرتنا بتصريح أدلت به وزيرة الخارجية الأمريكية «كونداليزا رايس» مطلع 2005 خلال حديث صحفي لها مع جريدة واشنطن بوست الأمريكية حين أعلنت نية الولايات المتحدة نشر الديمقراطية في العالم العربي، والبدء بتشكيل ما يعرف بـ»الشرق الأوسط الجديد» عبر نشر «الفوضى الخلاقة».
فنحن في مملكتنا الحبيبة نفتخر بحب الوطن واعتزازنا به؛ لذلك يجب علينا أن نقوم بالدفاع عنه وحمايته والتضحية من أجله، وأن نحفظه كما يحفظنا، وأن نشكره لتوفيره الأمن لنا؛ فلهذا الوطن حقوق علينا، يجب على كل فرد أن يوفي بها ما دام يعيش فيه، ويأكل ويشرب من ثمراته وخيراته. ومن هذه الحقوق المحافظ عليه، وحمايته من كل سوء وأذى، والارتقاء به إلى أعلى الدرجات والهمم، والمحافظة على نظافته، وحماية منشآته، وأن نفديه بكل ما نملك في حال تعرُّضه لأي أذى.
حفظ الله مملكة التوحيد من كل شر، ووفق ولاة أمرها وشعبها إلى كل خير.
** **
جامعة الملك سعود - كلية الحقوق والعلوم السياسية