د. خيرية السقاف
المطر لا يعرف الحزانى، ولا الفرحين..
لا يأبه بالأضرحة المفتوحة، ولا بالبائسين على الأرصفة..
لا يتأخر من أجل موكب فرح، وعروس تتباهى ببياضها،
ولا ببضاعة في اتجاه بيوت الجائعين..
يسَّاقط فيختلط بدموع الحزانى، ويعبث بأشياء الفرحين..
يتدفق في جوف المقابر، ويبلل البائسين..
يشلّ مواكب الفرحين، ويسطو على انسياب العروس..
يغرق مؤونة الجياع، ويشطر نوايا المنتفعين..
المطر يسَّاقط، زخَّا، رخوا، هطولا، وابلا، ورسولا..
الرحمة للشجر العطِش، وللفلاح المنتظر، ولليم الجاف،
لليباب المتصحر، وللمصطلي بحرِّه، وللأوَّاه من عرقه..
المطر يرطب الجفاف، ويندى الاصفرار، ويبهج الاخضرار،
يمد المَسْقَىَ، ويرفد المورد..
إن تأخر لا يطيل، وإن قلَّ يكثر، وإن خاتل يعود..
وعاد..
عاد المطر فحرك الموج، وأبهج النسمة، وأودع الشهقة، وأرسل الزفرة،
وأفسح للمخيلة، وأماط عن النفوس الكآبة، وأنزل فيها البهجة،
وأقام بين ناظريها المسافات، وأشرع للأفكار المضامير، وبسط الأسارير..
جاء المطر فكشف المخبوء، حرَّر الآهة، وأطلق الدمعة، وتكلم مع الصامتين..
جاء المطر لا يحمل النوايا المناقضة، ولا المشيئة المضادة،
فهو المتصالح دائماً مع الخير بكل أبعاده إلا حين يكون نذيراً من الله..
فهل يتفكر المرء في المطر كما ينبغي له أن يتفكر فيه،
وهو ذو النهى؟!..