د. أحمد الفراج
لأول مرة منذ زمن بعيد، ستكون الانتخابات النصفية الأمريكية يوم الغد، السادس من نوفمبر، انتخابات تاريخية، لأن نتائجها ستحدِّد أشياء كثيرة، فلم يسبق، منذ أمد بعيد، أن جاءت الانتخابات النصفية، وأمريكا في حرب مع نفسها، وفي حالة انقسام حزبي وأيدولوجي حاد، بلغ درجة أن بعض المتشائمين حذَّر من حرب أهلية، وكانت أكبر الشواهد على حالة الانقسام هي ترشيح ترمب للقاضي، بريت كافاناف للمحكمة العليا، وما صاحب استجوابه في مجلس الشيوخ من تراشق واتهامات متبادلة، بين الجمهوريين والديمقراطيين، أي بين المحافظين واليسار الليبرالي، وهي حرب شارك فيها الإعلام بكل أشكاله، التقليدي والجديد، وانتهت بانتصار كاسح لترمب والمحافظين، وهو الانتصار، الذي ترك مرارة لدى الديمقراطيين، لأن سبب الانتصار كان سيطرة الجمهوريين على مجلس الشيوخ بالأغلبية، وهذا ما سيضيف بعداً مهماً لانتخابات الغد.
توالت الحرب الشرسة بين أطراف الصراع في واشنطن، ثم جاءت قضية الطرود المشبوهة، وإطلاق النار على المعبد اليهودي، وكلها ستضفي بعداً تشويقياً على انتخابات يوم غد، فالجمهوريون يأملون في استمرار السيطرة على مجلسي الكونجرس، الشيوخ والنواب، والديمقراطيون يأملون أن تخدمهم هفوات ترمب، والحوادث العنيفة ذات الطابع العنصري، وتعيين القاضي المحافظ، في الفوز بالأغلبية في كلا المجلسين، أو أحدهما على الأقل، ولا بد من القول إن فرصتهم في الفوز بمجلس الشيوخ ضئيلة جداً، حيث إن المقاعد المتاحة للتصويت هي 35 مقعداً (ثلث المقاعد)، منها 24 مقعداً ديمقراطياً، و8 مقاعد جمهورية، وبالتالي فإن الخطر هو أن يحصد الجمهوريون مقاعد إضافية، لأن مقاعدهم الثمانية شبه مؤمّنة، وسيكون صعباً على الديمقراطيين انتزاع أي منها، رغم عدم استحالة ذلك، فكل شيء وارد في الانتخابات الأمريكية.
اللعبة الكبرى ستكون في مجلس النواب، الذي ستكون كل مقاعده متاحة للتصويت، وهي 435 مقعداً، ويطمح الديمقراطيون في انتزاعه، لأن هذا سيمنحهم القوة للنجاح في عزل ترمب، فيما لو أتيحت لهم المبررات الكافية لذلك، ولا يعني عزل مجلس النواب لترمب أنه سيصبح خارج السلطة، فهذه هي الخطوة الأولى لإجراءات العزل المعقدة، التي تكون الكلمة النهائية فيها لمجلس الشيوخ، ومع ذلك فإنها فرصة الديمقراطيين لتشتيت ترمب وإشغاله، لأطول مدة ممكنة، حتى لو لم يعزل، ويصعب التنبؤ بنتائج انتخابات مجلس النواب، ولكن أستطيع القول إن الصوت النسائي الليبرالي سيكون حاسماً، بعد الغضب العارم من هذه الفئة، جراء تعيين قاضي المحكمة العليا المحافظ، وأياً يكن الأمر، فإن الجمهوريين والديمقراطيين في حالة استقطاب هائلة، والحزب الذي يستطيع إقناع جمهوره بالخروج والتصويت، هو الذي سيحظى بالفوز، ومن خلال متابعات دقيقة، فإن هناك حماساً شعبياً غير مسبوق للتصويت من أنصار كلا الحزبين، ولذا ستكون انتخابات يوم الغد حدثاً في منتهى الإثارة، ويوم له ما بعده للجمهوريين والديمقراطيين على السواء.