عمر إبراهيم الرشيد
الحنين إلى الماضي طبع بشري لا يقتصر على مجتمع دون غيره، وليس له علاقة بتقدم أمة أو تأخرها كما لا علاقة لدرجة تعلم أو ثقافة الإنسان بهذا الحنين (النوستالجيا كم يسميها علم النفس). وبالطبع فهذا الحنين ليس قاعدة وقانونًا ساريًا على البشر جميعاً، فمن ماضيه مؤلم وعاصف بأحداث خلفت ندوباً نفسية لن يحن إلى ماضيه ولو حفر في ذاكرته، فيظل يتذكره دون أن يحن إليه. نتداول ما بيننا وكذلك غالبية المجتمعات العربية وفي وسائل الإعلام الاجتماعي وصف (الزمن الجميل) فهل هو كذلك؟ كما قلت بدءاً فإن الإنسان يسترجع بحنين وبين الحين والآخر ذكريات طفولته وشبابه اليافع، أول يوم له في المدرسة أو الكلية، أول وظيفة يشغلها، أول حالة عشق، قصة خطبته لزوجته وغيرها من أحداث شكلت ألوان الطيف لقصة حياته. وحالة أخرى ينشأ معها الحنين إلى الماضي، وهي تدهور الحاضر وقتامة صوره، وهذا حال الأمة العربية تحديداً، فاسترجاع أمجاد الماضي أمر طبيعي طالما الحاضر قاتم ومزري، واتهام من يستعيد أمجاد وبطولات الأمة وحضارتها بأنه ماضوي أو ربط هذه الحالة بالتخلف عن قطار الحضارة هو تفكير سطحي وقصر نظر، إلا إذا كان التعلق بالماضي لدرجة النكوص والانعزال عن الحاضر والنظرة إلى الأمام. ودون شك أن الاستغراق في الماضي وإدمان استرجاعه خلل في الرؤية واستشراف المستقبل، فالوسطية سمة حضارية وهي نتاج اعتدال نفسي ونضج عقلي.
ولا بد هنا من الوقوف عند استخدام وصف (الزمن الجميل)، للتذكير بأن وقتنا الحالي افتقر الناس فيه إلى البساطة أو العفوية وطغت الكلفة في أمور كثيرة، وتسارع فيه إيقاع الحياة وتزاحمت المطالب المعيشية، بعضها قسراً وبعضها الآخر نتاج سلوكيات فردية واجتماعية. لذلك فوصف العقود السابقة بالزمن الجميل تعبير عن الحنين إلى البساطة والهدوء النسبي في إيقاع الحياة. أما فترة الزمن الجميل فلا يمكن تحديدها بأعوام محددة، وإن كانت أزمة الخليج واحتلال العراق للكويت هي بداية التغير الاجتماعي وليس السياسي فحسب، مع ظهور القنوات الفضائية وبداية الثورة المعلوماتية والرقمية التي معها بدا إيقاع حياتنا بالتغير، وإن كانت التقنية قد سهلت أمورًا معيشية كثيرة، والقنوات والثورة المعلوماتية سهلت وصول الخبر والمعلومة والصورة، إلا أنها كذلك سهلت الابتذال وكشفت الخصوصية وصار معها العالم أكثر تلوثًا وأقل جمالا، ولا ننسى (طيبة الذكر) العولمة وما جلبته من شره استهلاكي وهبوط معنوي وقيمي، وهذا ليس حصراً في عالمنا العربي وإنما في العالم كله. فهل بعد هذا نلوم من استخدم وصف الزمن الجميل أو (زمن الطيبين) اشمئزازاً من غثاء هذا الزمن؟!