عبدالعزيز السماري
من أجل فهم أكثر لصراع الحضارات، علينا أن نقترب من تلك الأسلاك الشائكة حول السلوك البشري، فالاختلاف بين الطبيعي والشاذ ليس بذلك الوضوح، ويظل بينهما تباين قد يصل إلى حدود الدهشة والانبهار، فعلى سبيل المثال من الصدمة أن تدرك أن أكل لحوم البشر في بعض القبائل الأفريقية يدخل في السلوك الطبيعي في ذلك المجتمع، بينما يبدو من يرفض أكل لحوم البشر بينهم هو في حكم الشاذ والغريب.
لذلك فالحالة الطبيعية لسلوك الفرد عندما يكون متناسقاً مع السلوك الأكثر شيوعًا لهذا المجتمع، ولهذا يستخدم الطبيعي لوصف السلوك الفردي الذي يتوافق مع السلوك الأكثر شيوعاً في المجتمع، و تختلف تعاريف الحياة الطبيعية باختلاف الشخص والوقت والمكان والحالة، فالطبيعي قد يتغير مع اختلاف المعايير والقواعد الاجتماعية المتغيرة.
وعادة ما يتم التعرف على السلوك الطبيعي فقط على النقيض من الشذوذ في مجتمع محدد، ويمكن لشخص ما ينظر إليه على أنه غير طبيعي أن يكون له تداعيات اجتماعية، مثل استبعاده أو وصمه من قبل المجتمع الأكبر، وقد حدثت أمثلة كثيرة في مجتمعنا خلال القفزات الاجتماعية خلال الخمسين الماضية، فعلى سبيل المثال كان حليق الذقن شخصاً شاذاً في مجتمع يطلق العنان لإطالة اللحى، وكان لبس البنطال شذوذاً متلبساً، وقد يخرج من الطبيعي في المجتمع.
لهذا السبب تظل إجابة السؤال لما هو طبيعي في غاية الصعوبة، وسيبقى مفهوم الشذوذ غير دقيق وقد يصعب تعريفه، ويمكن لأمثلة عن الشذوذ أن تأخذ العديد من الأشكال المختلفة وتنطوي على سمات مختلفة، بحيث إن ما يبدو للعيان أولاً أنه شاذ في وقت ما، قد يكون مقبولاً في زمن آخر، وهكذا...
هناك طريقة شائعة يمكن من خلالها تعريف «غير طبيعي» على النقيض من أفكارنا حول «الطبيعي»، فالقواعد السلوكية المتعارف عليها في مجتمع هي وفقاً للأغلبية، وبالتالي يكون أعضاء المجتمع الذين يكسرون هذه المعايير في حكم المخالف أو الشاذ إن صح التعبير.
بموجب هذا التعريف، يعتبر الشخص غير طبيعي إذا كان غير قادر على التعامل مع متطلبات الحياة اليومية من خلال السلوك الاجتماعي الشائع، ويتعذر عليهم مطابقة السلوكيات اللازمة للحياة اليومية، ولذلك يبدأ الكثير منا يومهم بالاستعداد النفسي للتكيف مع السلوك الاجتماعي العام قبل الذهاب إلى المناسبات العامة أو العمل أو الأسواق وذلك حتى لا يكون في حكم الشاذ.
من ناحية أخرى يقدم العلم التجريبي تعريفات ورؤية مختلفة عن النظرة الاجتماعية النفسية للسلوك، إذ يتم تعريف الشذوذ على أنه الانحراف عن الصحة العقلية المثالية، وهذا يعني أنه بدل من تحديد ما هو غير طبيعي، يحدد علماء النفس ما هي الصحة العقلية المثالية، وأي شيء ينحرف عن ذلك يعد غير طبيعي، وتلك مسألة تخضع عادة للفحوصات العلمية الدقيقة، ولا يمكن إخضاعها لتفسير السلوك العام المختلف عليه.
لذلك يقصد علماء السلوك أنّ المقصود في تحديد الطبيعي هو الاختلاف في ظل صحة عقلية مثالية، ولذلك تحدد أعمالنا إلى حد كبير بالتجارب التي نعيشها في الحياة، وليس بسبب الأمراض الكامنة وراء القوى اللاواعية، حيث يُنظر إلى الشذوذ على أنه تطور نوعي لأنماط السلوك، ويفترض المنهج المعرفي أن أفكار الشخص مسؤولة عن سلوكه، وهو ما يفتح الباب على مصراعيه على مسألة صراع الحضارات، فالأمن الفكري في المجتمعات الشرقية جاء لمقاومة الأفكار الوافدة، التي قد تعني متغير قادم في السلوك الاجتماعي.. حسب رؤيتي المتواضعة وصل العالم في هذا العصر إلى مرحلة متقدمة في تقارب ممكن للسلوكيات والقيم بين الحضارات، بعد أن أخذ العلم زمام المبادرة من الايدولوجيات القديمة، وقام التطور الكبير في وسائل الاجتماعي بفتح قنوات اتصال بين المجتمعات في حالة أقرب لتجربة الأواني المستطرقة، وهو ما سيؤدي في نهاية الأمر إلى تقارب أكثر من أي وقت مضى بين الطبيعي وغير الطبيعي من سلوكيات البشر من مختلف المجتمعات.