لبنى الخميس
أكتوبر عصيب مر على السعوديين.. بسبب قضية تضخمت وتورمت عالمياً لتتحول بغضون أسابيع قليلة لكرة ثلج ضخمة وهي قضية -المغفور له بإذن الله- الزميل جمال خاشقجي، استخدمها الخصوم وتاجروا بها «كقميص عثمان» رضي الله عنه عندما استغل الأمويون الحق في خدمة الباطل، مطالبين بالقصاص لدم عثمان، طمعاً في التمرد على خليفة المسلمين علي بن أبي طالب «رضي الله عنه». هذا التحامل الإعلامي والهجوم المنظم وغير المسبوق.. استخدم فيه إعلام المضاد عدة تكتيكات إعلامية سأتحدث عنها اليوم بعد أن قضيت أياماً وأنا أتابع وأحلل الخطاب.
الجدير بالذكر بأن الحرب التي شنت لم تكن حرب إعلام.. بل (معلومة).. الإعلام المضاد كان يعتمد على مصادر معروفة حيناً ومجهولة أحياناً أخرى في تغذية تغطيته للقضية.. تسريبات مجهولة المصدر.. مقابلات.. توقعات.. وربط مضلل للحقائق.
في حين ظل الإعلام السعودي صامتاً بانتظار نتائج التحقيقات.. ما أعطى مساحة مضاعفة لقنوات ووكلات العالم أن تتصدر المشهد عالمياً حتى وإن كانت معلوماتها مغلوطة ومصادرها مشبوهة.
ما هي التكتيكات (الاستراتيجيات) الإعلامية التي اتبعها الإعلام المضاد؟
1- الإغراق
أغرق خصمك بعشرات القصص والسيناريوهات.. ومئات التقارير والتغريدات.. أنهكه نفسياً أمام طوفان المعلومات والحيثيات والتفاصيل بحيث يقف عاجزًا عن الربط بينهما.. حاصره بروايات سلبية في ظل شح المعلومة وغياب الخطاب المضاد ليشعر بالعجز والهزيمة النفسية.
2- التضخيم
ضخم القضية.. أشعر الخصم بأنها أهم من كل حروب ومجاعات وأمراض وأوبئة العالم.. وأنها أشنع جريمة ارتكبت في تاريخ الإنسانية.. من خلال تجنيد أقلام كتابك وعدسات مصوريك لتغطية القضية.. وتخصيص 90 % من محتوى نشراتك للحديث عنها دون جميع الأخبار الأخرى.
3- اصنع حبكة درامية:
نشر حقائق خيالية وأخبار كوميدية بهدف استدراج الناس للحديث عنها وإلهائهم عن البحث عن الحقائق، والاعتماد على غزل صور درامية شبيهة بأفلام هوليوود لإقصاد الجمهور عن الحقائق من جهة، والاستمرار في إثارته وتشويقه لمتابعة القضية من جهة أخرى.
4- بالونات الاختبار:
بالون الاختبار عرّفتهُ «موسوعة السياسة» بأنه: مصطلح سياسي صحافي، يقصد به تسريب معلومات، غالباً ما تكون خاطئة، إلى جهة إعلامية معينة (جريدة، مجلة، وكالة أنباء..) بقصد نشرها على الرأي العام، ومعرفة موقفه وردات فعله عليها، فإذا ما أثارت هذه المعلومات استياءً عاماً، تعمد الجهة المُسربة إلى نفيها أو تكذيبها بشكل أو بآخر، أما إذا جاءت ردود الفعل فاترة أو محبذة عمدت إلى تأكيدها وتبنيها. وهذا ما حدث مع الإعلام المضاد في قياس ماذا يثير استياء الرأي العام، يحرك مشاعر الجماهير ليعيد نشره بصورة وطرق مختلفة، متعمداً إثارة حفيظة المتابع، وتعليقه في القضية ليل نهار، ليسهل السيطرة على أفكاره وقيادة عواطفة.
هذه القضية التي مرت بكل مراراتها على العالم بشكل عام والسعوديين بشكل خاص، يجب أن لا ترحل قبل أن نتعلم من متونها دروساً متعددة، أهمها فن إدارة الأزمات الإعلامية، وتفكيك أدوات وتكتيكات الإعلام المضاد، وكشف ألاعيبه وأساليبه المضللة إلى العامة، كي لا يقعوا فريسة سهلة بين أنيابها. فالإعلام اليوم قد يتفوق كسلاح فتاك على كثير من الأسلحة العسكرية، وحسن إدارته هي الكلمة الفصل في إنجاح المعركة أو خسارتها.