عبد الرحمن بن محمد السدحان
* أعلم حقاً وتسليماً أن الرحيل من هذه الدنيا أمرٌ قد قدّره الله في كتاب محفوظ لا يعلمه إلا هو، سبحانه وعز شأنه، إليه تصعد الروح بدءاً من المهد.. وانتهاءً بيوم أو ليلة قد قدرهما تقديراً، لا محيد عن ذلك المصير ولا مفر!
* * *
* وكنتُ قد استقبلت بوجدان حزين نبأ انتقال القامة التربوية والأدبية الشيخ عبدالله بن حمد الحقيل إلى الرفيق الأعلى قبل نحو أسبوعين، فتألمت تألم الصابرين، وما برحتُ، وتابعت ما كُتب عنه من درر المعاني رثاءً ووفاءً، فازددت ألماً، ودخلتُ مع نفسي في دوامة من الخوف والاختلاف والتأبين، فانتصرت الرغبة للمشاركة في رثائه، رحمه الله، رغم يقيني أنني لن آتي بجديد، فقد سالت أودية القرائح المُحبة له من كل صوب.. بكل جديد من نبيل القول، وأمَّ مقر عزائه حشدٌ كثيفٌ من علية القوم وعامتهم! وقد اكتسب المرحوم الفاضل خصالاً من النبل وكريم الخلق، وكان هذا دأبه عبر السنين، لأنه كان قريباً من قلوبهم!
* * *
* شرفتُ بمعرفته -رحمه الله- منذ زمن طويل، وكنتُ وقتئذٍ طالباً بالمرحلة الثانوية في مدرسة اليمامة بالرياض، ووُلد الود له منذ أول لقاء، وكنت وقتئذٍ أخوض بحماس شديد تجربة التأهل لامتحان الثانوية العامة، خلال أواخر عقد السبعينيات هجرياً، وكان -رحمه الله- بنزعته التربوية السوية، أحد الداعمين لي.. والمشجعين على تكثيف الجهد ذلك العام، أملاً في التأهل للابتعاث للدراسة الجامعية، وانتهى ذلك العام الدراسي بظفر متفوق، إذ فزتُ بالمركز الأول لنهاية المرحلة الثانوية (بالقسم الأدبي) على مستوى المملكة، وحمدت الله أن كلل الجهد والسهر بتلك النتيجة، وكان لله وحده الفضل الأعلى والأسمى في ذلك، يلي ذلك دعاء الوالدين (رحمهما الله)، وحماس وتأييد قائد مدرستنا ورائدها، الشيخ عبدالله بن حمد الحقيل.
* * *
* ما هي إلا أسابيع قليلة حتى رحلتُ إلى الولايات المتحدة الأمريكية، مبتعثاً من وزارة المعارف (آنئذ)، وتفرغت عقلاً وروحاً وحركة لمهمتي الجديدة التي لم تخلُ بدايتها من عسر شبه عسير، تمثـّل في تعلم اللغة الإنجليزية في جامعة جنوب كاليفورنيا، بمدينة لوس أنجلوس، وانقطعت صلتي بالمملكة، وبالأحبة فيها، بمن فيهم الشيخ عبدالله الحقيل.
* * *
* ومرّت السنون بعد ذلك مرور الرياح الهادئة، وتخرَّجت بعد نحو خمس سنين متفوقاً بفضل الله، من ذات الجامعة، تلا ذلك مشوار (الماجستير)، ولم يكن ذلك علي عسيراً -بفضل الله-، ثم عدت إلى المملكة، لأقع أسير (الوظيفة العامة) حتى الآن، وكان الله لي نعم المولى ونعم النصير!
* * *
* التقيت بعد ذلك بالمرحوم المربي الفاضل عبدالله الحقيل مرات متقطعة عبر مناسبات خاصة أو عامة، وكان -رحمه الله- يجود علي في كل مرة ألقاه فيها بثنائه الأبوي وإطرائه الحنون لمشواري التربوي، وقد كان بالفعل مثلاً رائعاً للمربي الفاضل، عبر السنين، وكنتُ أبداً فخوراً باهتمامه وإطرائه، فقد كنتُ نبتة متواضعة في روض جهده التربوي واهتمامه الإنساني!