مها محمد الشريف
إن الأمر اللافت هنا هو أن لكل عصر كينونة مستقبلية ونسيج يتفاعل ويتغير حسب المعطيات والمستجدات، ولكن إذا كانت الطريقة غير صحيحة لإعداد المواد وأنماط الأدوات، يتطلب الأمر شيئاً من تنظيم العلاقة بين الحاضر والمستقبل وترك الماضي يطوي صفحاته وإخفاقاته ويحتفظ بالنجاحات وإصلاح الاختلالات التي لم تنجح حتى يومنا هذا أي نظرية في تعليل أمرها، للاستفادة من تكوينها واستمرار نجاح خططها المستقبلية.
فقد كان النادي الملكي الإسباني «ريال مدريد» قلعة مغلقة وسلطة مطلقة أعلى من سلطة كثير من الأندية المشهورة. بل من معظم منتخبات العالم، فقد تفرد بالأولوية في الاتحادات والنقل وأماكن البطولات العالمية والقارية ما أوجد له مساحات شاسعة من الشهرة والمكانة الرفيعة، وتحقق لهذا الكيان فرص كبيرة وبطولات متتالية، وفي ذات الوقت بيئة نشطة لحدوث الخلافات وانعكس ذلك على الفريق بالخسارة الثقيلة من منافسه الكتالوني برشلونة وانتقال أشهر لاعبيه رونالدو كريستيانو ومن ثم إلغاء عقد المدرب وغضب الجماهير، فالسؤال هنا لماذا لا تصمد الكيانات الكبيرة أمام الكوارث أو الخسائر؟
ويبدو لنا بوضوح أن تأجيل الكيانات الكبيرة تصحيح مشاكلها تدفع بها إلى كوارث لا تستطيع أن تتجاوزها وبذلك تدفع الثمن باهظاً، وعلى سبيل المثال، ينطبق ذلك على الدول والشركات العالمية ومنها الأزمة الأمريكية 2008 وتأخير خطة الإنقاذ على تدخل الحكومة الأمريكية لحل التعثر الذي أصاب المؤسسات المالية الموشكة على الإفلاس التي كلفتها تريليونات من الدولارات.
فالخلل الكبير وفشل الخطط الإستراتيجية أدى إلى انهيار «إنرون كورب» شركة الطاقة الأمريكية بعد نجاح أسطوري لتنهار وتختفي بعد التلاعب بقوائمها المالية، مما أدى إلى سقوط غير متوقع أثر على 401 ألف موظف واهتز معها وول استريت بعد إعلان إفلاسها، وعوضاً عن تصحيح الأخطاء وإعلان خسائرها استمرت بإخفاء تلك الخسائر ودفع التهم والشبهات عن المدراء التنفيذيين الذين منحوا أنفسهم علاوات ضخمة في خضم التراجع والخسارة للشركة.
غالباً ما يتخذ الناس من الحياة الغرض الأساسي ويتركون التحديات المختلفة التي ينبغي إدخالها إلى الواقع الراهن والرؤية المستقبلية، ولكنهم يتبعون المنتجات الأكثر انتشاراً وفي الوقت نفسه لا تجد مخرجاً آخر سوى خطاب يعده الدارسون وفق تعليمات وخطوات لم يطبقوها فينصهر معظمهم في مكوناته.
إذاً نحن انتقلنا الآن إلى كونها مشكلة معروفة تسيطر على محيطها، دون أن نبحث عن مقارنة الكيفية التي اتخذت بها القرارات، وما تنطوي عليه من أفكار ومفاهيم، كما يُنظر إلى الكيفية التي تتخذ بها اليوم الدول الكبرى البيروقراطية بفعل العلاقات بين عدد من الوحدات السياسية وحصر الاتجاهات القديمة والجديدة وما وقع من أخطاء في تجديدها، والتنافس الضاري ووتيرة التغيير عرقلت كثيرًا من الكيانات حتى انهارت.