د.عبدالله مناع
ربما كانت زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي (بنيامين نتنياهو).. المفاجئة لـ(السلطان قابوس) في (مسقط) يوم الخميس ما قبل الماضي.. هي واحدة من أكبر المفاجآت السياسية التي يشهدها عامنا الحالي (2018م)، الذي توشك شهوره على الانقضاء، وقد كشفت زيارة (نتنياهو).. التي تناقلت أنباؤها: خبراًً وصورة.. القنوات الفضائية العالمية: البريطانية والفرنسية.. وهي تشير إلى أنه سبقت زيارة (نتنياهو) لـ(مسقط).. زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس قبلها بـ(أيام)، وهو ما يعني: أن جهوداً خفية.. قد بدأت تظهر لـ(حلحلة) القطيعة التي أعلنا (أبو مازن) مع كل من (نتنياهو).. بـ(إيقاف التنسيق الأمني) مع حكومته، ومع الرئيس الأمريكي (ترمب).. باعتباره لم يعد وسيطاً نزيهاً لـ(السلام) بين الفلسطينيين و(إسرائيل)!! بعد إعلان اعترافه في شهر ديسمبر الماضي بـ(القدس الشرقية) عاصمة لـ(إسرائيل)!! مخالفاً بذلك.. كل القوانين والاتفاقيات الدولية والمقررات الأممية التي صدرت عن الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي.. على أن محاولة حلحلة هذه (القطيعة) التي أعلنها الرئيس الفلسطيني محمود عباس.. بدأها الرئيس الأمريكي (دونالد ترمب) نفسه.. خلال مشاركته في افتتاح أعمال الدورة الجديدة -الثالثة والسبعين- لـ(الأمم المتحدة).. عندما أعلن -متراجعاً- بأن (حل الدولتين) هو الحل الوحيد.. لـ(النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي).. قبل أن يقوم (نتنياهو) بزيارته المفاجئة لـ(السلطان قابوس)، وهو ما جعل المتفائلين يذهبون إلى الاعتقاد بأن هذا (التراجع) من قبل الرئيس الأمريكي (دونالد ترمب).. قد يكون خطوة على طريق (إلغاء) قراراه بالاعتراف بـ(القدس الشرقية) عاصمة لـ(إسرائيل).. أو -على الأقل- تجميد قراره الآخر بـ(نقل) سفارة بلاده من (تل أبيب).. إلى (القدس الشرقية) باعتبارها عاصمة (إسرائيل).؟!.
كان (السؤال) الذي طرح نفسه مبكراً.. في الأوساط السياسية والإعلامية، فور الإعلان عن زيارة (نتنياهو) المفاجئة لـ(السلطان قابوس).. هو: ما هي أسباب هذه الزيارة المفاجئة؟ التي لم يسبقها أي تمهيد من أي نوع؟.. هل هي لـ(حلحلة) القطيعة مع إسرائيل التي اعتمدها الرئيس محمود عباس، وأوقف بموجبها كل تنسيق أمني مع (إسرائيل)..؟ أم إنها لـ(التوسط) مع الرئيس محمود عباس.. لحمله على (العودة) مجدداً إلى (المفاوضات)، التي سئم الرئيس محمود عباس منها.. ومن عدم جدواها معه أو مع (شارون) أو مع (أولمرت) طوال العشرين سنة الماضية دون الوصول من خلالها إلى حل لـ(ملفات الحل النهائي) الثلاثة: (القدس، واللاجئين، وحدود الدولة الفلسطينية)، والتي استخدمها (نتنياهو) كما استخدمها من سبقوه.. كـ(أفضل غطاء) لاستمرار (الاستيطان) المتوحش في أراضي السلطة الفلسطينية.
لكن (السلطان) بـ(حنكته) و(خبرته) السياسية وثبات موقفه في دعم القضية الفلسطينية، قطع الطريق على كل تلك الأسئلة والتكهنات.. عندما أعلن بأن استقباله لـ(نتنياهو) في قصر (البركة).. ليس لبحث (الوساطة) مع الفلسطينيين أو مع الرئيس محمود عباس سواء لـ(إيقاف) القطيعة أو (العودة) مجدداً لمفاوضات (الحل النهائي).. ولكن لـ(الاستماع) إلى ما لديه من (أفكار)، ونقلها إلى الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وأن السلطان (مستمع) في لقائه بـ(نتنياهو).. وليس (وسيطاً) لـ(حلحلة) القطيعة الفلسطينية مع الحكومة الإسرائيلية، أو لـ(الاقتراب من ملف الحل النهائي للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي).. أو لحمل (أبو مازن) على التراجع عن اتهامه لـ(الإدارة الأمريكية) بأنها لم تعد وسيطاً نزيهاً للسلام بين الفلسطينيين وإسرائيل.
ولكن.. ولأن زيارة (نتنياهو) جاءت بعد زيارة الرئيس محمود عباس لـ(السلطان قابوس) في مسقط.. فإن بحث (الشأن الفلسطيني)، يظل أساسياً ووارداً، وهو ما يدعونا لرجاء الرئيس محمود عباس.. بعدم التراجع عن إيقاف التعاون الأمني مع حكومة نتنياهو، ولا عن اعتبار أن رئيس اللجنة الرباعية الأممية لحل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي (ترمب) وسيط غير نزيه!؟ فقد يكون عدم تراجع (أبو مازن) عن قراريه.. هو السبيل لحمل (إسرائيل) على مفاوضات حقيقية جادة محددة بـ(سقف زمني) لحل ملفات (القدس، واللاجئين، والحدود).. ليتم الاعتراف في ختامها بـ(الدولة الفلسطينية) وعاصمتها (القدس الشرقية).. من قبل كل من إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، لينتهي خلاف الـ(مائة عام) بين (المغتصبين) وأصحاب الأرض، الذين رفضوا أن يكونوا (هنوداً حمراً) كـ(مواطني) أمريكا الشمالية الأصليين، الذين أرغموا على مغادرتها.. لصالح الوافدين إليها من غرب ووسط وشمال أوروبا.. ليصبح هؤلاء (الوافدون).. هم المواطنين الأصليين لمدن وقرى أمريكا الشمالية.. أما مواطنوها الأصليون فقد أخذهم الخوف والرعب إلى براري وقفار أمريكا الشمالية.. فراراً بأرواحهم وحياتهم، ليصبحوا -فيما بعد- وبكر الأيام والسنين عليهم.. مادة مسلية لأفلام (مترو جولدين ماير)، يتندر عليها الوافدون الأوروبيون إلى أمريكا الشمالية والعالم كله..!!.
إن هذه (القطيعة) التي مارسها الرئيس الفلسطيني محمود عباس.. مع كل من الحكومة الإسرائيلية وإدارة الرئيس ترمب الأمريكية، والتي نطالبه بـ(استمرارها) وعدم التراجع عنها.. لن تؤتي ثمارها في ظل هذا (الانقسام) الفلسطيني المضحك والمخجل بين (فتح) و (حماس)، أو جناحي الأمة الفلسطينية.. بينما يعلم الطرفان أنه لم يبق من أراضي الضفة الغربية في يد السلطة الفلسطينية غير 22.7 % من أراضي التقسيم.. إلى جانب شريط غزة الساحلي.. فهل تريد (حماس) المعارضة لـ(المصالحة الوطنية) إلا بشروطها، أو أن لا تتحقق إلا بعد أن يتحوّل الفلسطينيون إلى (عرب حمر) كـ(الهنود الحمر) في قفار وبراري أمريكا الشمالية..؟!.
فـ(المصالحة الوطنية).. تعني في هذه المرحلة الحرجة من عمر (القضية): الأرض والوطن.. المهددين بـ(زوالهما)، ولم تعدّ تعني (توزيع) الكراسي والمناصب اللذين تقاتل عليهما (حماس).. بكل شراسة وضراوة..!.