د. عبدالله أحمد حامد
نتفنن كثيراً في حياتنا الثقافية والأكاديمية في الحديث عن التعددية، وعدالة الفرص، وخطورة الاستحواذ، وجناية الكرسي، وهو حديث مكرور نسلي به أنفسنا، ونمارس عليها نوعاً من التضليل وخداع النفس، وصرفها عن «الفعل» الذي يغدو كاشفاً لحقيقة الأقوال،وصدقها!
وأكاد أجزم أن حالة الدكتور محمد بن عبدالرحمن الربيع في رئاسته لنادي الرياض الأدبي هي حالة استثناء زاهية يمكن أن نفاخر بها في فعلنا الثقافي في المملكة العربية السعودية؛ وهي مع ذلك من الحالات الثقافية القليلة جداً ليس على مستوى واقعنا المحلي، بل وعلى مستوى الثقافة العربية الآنية والممتدة، والحافظة لقليل من المواقف والحالات التي باتت شاهدة على شفافية الروح، وتطبيق المبادئ النظرية على «الذات» مباشرة في ترفع عن المطامح، وتجاوز لوهج المصالح..
أربع سنوات في رئاسة نادي الرياض الأدبي هي الأجل الذي كان بين الربيع، ووزارة الثقافة والإعلام وهي التي التزم عند انتهائها بمغادرة كرسي الرئاسة فوراً! مع محاولات إقناعه بالبقاء، لكنه كان يؤكد بالفعل نموذجاًَ حضارياً متجاوزاً كل ادعاءات التنظير الكثيرة، وضارباً المثل للجميع بأن التنظير الثقافي مضيعة للوقت إذا لم يكن من الفعل ما يؤكده! وهو النهج الذي رسمه الربيع وسار على نهجه د. سعد البازعي، ود. عبدالله الوشمي ود. عبدالله الحيدري، لينتهي المطاف نحو قيادة شاب مثقف لزمام النادي هو د.صالح المحمود الذي جاء تسلمه النادي ليؤكد أن النادي الادبي بالرياض محظوظ بالقيادات النوعية المتميزة.
وعوداً على د. محمد الربيع وسجله الحافل الذي أذكره منذ كنا طلاباً في فرع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالجنوب، في أواخر العقد الأول من هذا القرن الهجري؛ حيث كان يتناهى إلى أسماعنا اسم محمد الربيع من خلال بعض محاضرات أساتذتنا، متبوعاً بالإشارة والإشادة ببعض جهوده العلمية المتنوعة، وهو ما كان يؤكد حضوره في أذهاننا مع صورته الحاضرة ثقافياً في قنواتنا الإعلامية المختلفة. ثم دارت الأيام دورتها حتى التقيت «أبا هشام» في بعض الندوات والملتقيات والمؤتمرات، والحق أنني كنت في كل لقاء يشارك فيه بورقة، أو بحث أجد قامة حوارية متميزة، تطرح رأيها بوضوح وأدب، وتسمع الآخرين، وتحاورهم، وتناقشهم بروح علمية قابلة ومتقبلة. ثم شاءت الأقدار أن التقيه في جلسات خاصة أثناء الاستراحة بين جلسات بعض الملتقيات والمؤتمرات، لاكتشف جانباً إنسانياً متدفقاً لدى د. الربيع، فقد كنت أحسب أن روحه العلمية ستحيل جلساته الخاصة إلى نوع من الجد الذي لا يحتمل أي خروج عن قضايا العلم والمعرفة، غير أني أيقنت بعد جلسات متعددة، أن الربيع شخصية تملك مقومات الأديب الذي يسرد الواقعة الثقافية في ثوب من الجمال والطرافة، مستشهداً بمثيلاتها، ومتمماً لحيثياتها، ومستحضراً لتاريخ عريق من لقاءاته مع أساتذة الأدب ومبدعيه، مما يجعل من الجلوس معه زاداً من المعلومات المثرية، التي يقدمها في أسلوب سردي أخاذ.
ثم كانت المفاجأة الربيعية الأخرى هي الروح الطريفة الساخرة التي يتحلى بها أبو هشام، فهو يملك طريقة خاصة في صناعة الطرفة العاجلة التي لا تقل سحراً وجمالاً عن الطرائف التي يوردها الأدباء الكبار عبر تاريخنا الأدبي المديد، وبالتالي عرفت بعض السر الذي جعل للدكتور محمد الربيع كل هذا الألق. وجعل زميلنا النبيل الوفي د. عبدالله الحيدري يحرص على صحبة أبي هشام فقد التقت النفسان الجميلتان عند الاثنين؛ فصنعت مزيجاً من التلاؤم الذي كنت ألحظه ونحن نعمل في «قاموس الأدب والأدباء في المملكة العربية السعودية» الذي تبنته وأخرجته «دارة الملك عبدالعزيز» بدعم من شخصية ثقافية لها حضورها وجهودها الكبيرة في مسيرتنا الثقافية وهي شخصية معالي الأستاذ الدكتور فهد السماري.
وعوداً لاجتماعات هذه اللجنة فقد بدأ جانب ثالث في الشخصية الربيعية من خلال هذه الاجتماعات؛ فقد كان د. الربيع ينهي أمور الاختلافات والتعدد في وجهات النظر بتعليق ذكي مقنع بعد أن يسمع الجميع، بحيث يؤلف بين المختلفين، ويقنع المعارضين بروح عجيبة من فهم التاريخ الثقافي والأدبي والإداري، وتلك خصائص منّ الله بها على أستاذنا العزيز محمد الربيع. فتحية تقدير وإجلال ووفاء له، وهو يحضر اليوم مكرماً مستحقاً لكل تقدير وثناء، وتحية اعتزاز بالشراكة الرائعة التي استضافها نادي الرياض الأدبي، مرحباً بمبادرة إثنينية النعيم الرائدة، ومباركة الجمعية السعودية للأدب.