د. عبدالحق عزوزي
اجتمعنا نحن أعضاء اتحاد عاصفة الفكر في أبو ظبي، حيث نظم مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية فعاليات النسخة السابعة للندوة، وهي التي حملت عنوان: «المستقبل العربي في عصر التكنولوجيا»، وقد قلت وكتبت مرارًا إن العاصفة الفكرية التي نحن في حاجة إليها اليوم هي التي تكون مدفوعة بروح النقد والعقلانية الراشدة والتنويرية التي تتجاوز الصراعات والأسئلة الخاطئة والفاشلة والتقابلات العميقة، وهي التي توازن بين الرؤية الثباتية والرؤية الحركية التي تشخص وتؤثر على الذات في نظرة تجمع بين التحليل والتركيب والنقد والإصلاح والمنهج والرؤية لبناء نظام عقلاني تنويري عربي جديد ونظام معرفي وهاج يبعث الحياة في العقل العربي. العاصفة الفكرية التي نحن في حاجة إليها اليوم هي التي تهذب الذات من رواسب اللا عقلانية وتروض الإنسان العربي على المفاهيم العقلانية لاستنباتها استنباتًا داخليًا. لأن عطالة الفكر والعقل العربي أديا إلى تخلف شامل، وأعني في المجالات الاقتصادية والثقافية والتربوية، وبدلا من الاستعانة بالعلم وبقوانينه يستعيض الفكر والمفكرون عن ذلك بخزعبلات فكرية وبأوهام أيديولوجية؛ وهذا يعني مما يعنيه أن التفكير في العقل هو السبيل للتفكير بالعقل فلا يمكن أن نفكر في إنشاء عقل ناهض بعقل غير ناهض...
وقد اتسمت أوراق المشاركين بالجدية والرصانة، وتضمنت مقترحات عملية وتوصيات جديدة، يمكن من خلال الاستناد إليها تقديم رؤى شاملة تساعد صانع القرار في دولنا العربية، على بلورة استراتيجيات متكاملة تستطيع من خلالها هذه الدول التعامل مع عصر التكنولوجيا، سواء بهدف تحقيق أقصى استفادة ممكنة من الإيجابيات التي يوفرها هذا العصر، أو مواجهة أي آثار سلبية يمكن أن تترتب عليه.
ولعل من أهم التوصيات المهمة التي خرجنا بها : تأكيد أهمية التعامل مع الثورة الصناعية الرابعة، وفي القلب منها تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، بصفتها قضية وجود وأمن وطني بالنسبة إلى الدول العربية، وليست مجرد قضية تكنولوجية أو اقتصادية، وضرورة تعزيز التعاون بين الدول العربية، وتبادل الخبرات فيما بينها في مجال التكنولوجيا؛ حتى يمكنها الإسهام في التطور التكنولوجي في العالم، وتسخير الذكاء الاصطناعي لمصلحتها، والاستفادة من تطبيقاته على الوجه الأمثل؛ لتحقيق الأهداف التنموية المستقبلية لشعوبها، والتفكير في عقد قمة عربية تتمحور حول الثورة الصناعية الرابعة والذكاء الاصطناعي لصياغة إستراتيجية عربية شاملة في هذا الخصوص.
ونحن نتحدث عن الذكاء الاصطناعي، نحيل هنا إلى تعريفه من طرف إحدى الأكاديميات، حيث جاء فيه:
* تمكين الآلات من معالجة المعلومات بشكل أقرب إلى طريقة الإنسان في حل المسائل، بمعنى آخر المعالجة المتوازية Parallel Processing حيث يتم تنفيذ عدة أوامر في نفس الوقت وهذا أقرب إلى طريقة الإنسان في حل المسائل.
* فهم أفضل لماهية الذكاء البشري عن طريق فك أغوار الدماغ حتى يمكن محاكاته، كما هو معروف أن الجهاز العصبي والدماغ البشري أكثر الأعضاء تعقيداً وهما يعملان بشكل مترابط ودائم في التعرف على الأشياء.
فمثلاً: للتعرف على صورة شخص عن طريق الكمبيوتر فلا بد أولا من وجود ماسح ضوئي أو آلة تصوير... حتى يتم مسح صور الشخص نقطة نقطة ثم إرسال هذه الصورة إلى جهاز الكمبيوتر ليقوم بمقارنة الصورة مع ما هو مخزون من معلومات، ولكن إذا هذا الشخص غير ملامح وجهه ببعض الحركات فربما لن يستطيع الكمبيوتر التعرف على هذه الصورة بعكس الإنسان.
ستكون المعايير التي نقدمها مرتبطة من جهة بأنواع الوسائل المراد حلها التي تتطلب قدراً من الذكاء مثلاً ولكن ليس لها حل عام معروف كما ستكون مرتبطة من ناحية أخرى بطرق المعالجة المنطقية المستخدمة والتي تعتمد على كل ما عرف عن الذكاء الإنساني...
ولا غرو أن الثورة الصناعية الرابعة وما يرتبط بها من تطور تقني متسارع، ستؤثر في جميع دول العالم خلال السنوات المقبلة، خاصة فيما يتعلق باختفاء بعض الوظائف بسبب دخول الذكاء الاصطناعي والآلات المتعلمة واستخدام إنترنت الأشياء في العديد من المجالات...
ولكن المشكلة الكبرى في وطننا العربي أنه في ضوء التصاعد المستمر لمعدلات البطالة عربياً في الدول الفقيرة ومتوسطة الدخل والغنية (وصلت إلى 17.9% أو ثلاثة أضعاف المتوسط العالمي)؛ فإن الحاجة تبرز إلى ربط حلول هذه الأزمات الخطيرة بنوعية التعليم ومخرجاته، وبالثقافة المجتمعية واعتماد منهج الإبداع والريادية وربطهما بالاستثمار، وبعلاقات الإنتاج وأساليب إدارتها، ومعالجة معوقات توطين التكنولوجيا، هنا يكمن الخلاص.