سمر المقرن
النظرة السائدة لكبار السن هي الشفقة والرحمة، وأن هؤلاء قد انتهى دورهم في الحياة ويقفون على رصيف انتظار الموت. وتتوافق هذه النظرة مع المعطيات المحيطة بأنهم وصلوا إلى سن التقاعد ولم يعد لديهم إنتاجية وأن المستقبل والحياة للشباب فقط. هذه بكل صراحة النظرة في المجتمعات العربية لكبار السن، وهي التي تعزز لدى الكبار أنفسهم بأن دورهم على مشارف الانتهاء، وهي ما تزيد من الأزمات النفسية والدخول في نوبات من الاكتئاب وزيادة حدة التوتر والقلق. ما يعني أن وصول كبار السن إلى هذه الحالات السلبية ما هو إلا جزء كبير منه نتيجة للثقافة الاجتماعية والنظرة الجائرة التي تحول عن تمتع الإنسان بهذه المرحلة من حياته، حيث يبدأ الأمر من رفض -بعضهم- للتقاعد بل ومحاولة إخفاء تقاعده عمن حوله كما رأينا في بعض الأفلام والمسلسلات العربية. وهذا كلّه من ترسبات الفكر الذي يقلل من كبار السن ومن قدراتهم على المشاركة. حتى الشاب في الثلاثين أو الأربعين تجد من الدارج لدينا في المجتمع أن يكرر مقولة: (خلاص عجزت) وكأن ظهور الشيب أو ملامح التجاعيد تعني نهاية تاريخ الإنسان، وهذا غير صحيح بل إن هذه الملامح تمنح الإنسان جمالاً أكثر، وأتذكر هنا والدة إحدى صديقاتي في لقاء بيننا فكانت تشكوها لي صديقتي عن رفضها الذهاب إلى عيادة التجميل لعمل بعض الإجراءات التجميلية التي تزيل التجاعيد، فسألتها مازحة عن سبب رفضها، فقالت: «التجاعيد تمنح وجهي مزيداً من البراءة».. جملة مؤثرة جداً، وأن تنظر المرأة إلى نفسها بهذه الثقة فهذا دليل على أن التصالح مع الذات ومع مراحل الحياة في أوجه لديها.
في الحقيقة، ما حثني على الكتابة في هذا الشأن، هي حلقة الأسبوع الماضي من برنامج (كلام نواعم) الذي أشارك في تقديمه على قناة إم بي سي، وكانت الحلقة عن الحياة بعد التقاعد، وقد استضفنا فيها نماذج مبدعة لنساء ورجال أعمارهم فوق السبعين ولديهم أنشطة وبرامج إبداعية يمارسونها ويستمتعون بها بعد مرحلة التقاعد. هذه الحلقة من أكثر الحلقات التي أثرت بي ورأيت فيها روح الشباب المتقد بعيداً عن أرقام العمر، هذه النماذج أعتبرها «ناجية» من نظرة المجتمع لكبار السن، بل إن وجودهم معنا وخروجهم في الحلقة هو جزء مهم لتغيير النظرة السائدة، وتأثيرهم الكبير في التغيير الذي يعتبر من وجهة نظري الأساس الذي نبدأ منه.
حياة الإنسان هي مراحل، والشخص المحظوظ هو القادر على التصالح مع كل مرحلة والاستمتاع بها وخصائصها التي تختلف من عمر لآخر، وفي تصوري أن مرحلة ما بعد عمر الستين هي الأجمل، هي مرحلة الهدوء بعيداً عن زحام الحياة ومتطلبات العمل، هي المرحلة الاستطلاعية التي ينظر من خلالها الشخص للحياة برؤية مختلفة أكثر حكمة ورزانة.