ميسون أبو بكر
رحم الله الشاعر والأديب والمؤرخ والأمين العام السابق لدارة الملك عبدالعزيز بن المجمعة الأستاذ عبدالله بن حمد الحقيل الذي وافته المنية قبل ايّام، ولَم يكن لقائي الأخير به ببعيد، فقد جمعنا ربيع الشعر بالشقيقة الكويت ضمن فعاليات مؤسسة الشاعر عبدالعزيز البابطين في إبريل الماضي، ومازالت تحضرني قصيدته الرائعة «في ربى الفيحاء» والمعني بالقصيدة مسقط رأسه المجمعة التي تغنى كثيراً بها وطرب وتغزل قائلاً:
قف في ربى الفيحاء وانظر حولها
تجد المكارم عزّزت بفعالها
إن أنسَ لا أنسى حياة عشتها
والذكريات الغر في جنباتها
رحل الرجل لكن بقي منه كل ما ترك من إرث شعري وتأريخي وعمل دؤوب وذكر طيب -رحمه الله وأسكنه فسيح جناته-.
قامة أخرى في الشعر والرواية والإدارة والسفارة ما زلت أحتفظ به في ذاكرتي وعلى أرفف صومعتي (مكتبتي)، وبدواوين موقعة بخطه ذيلها بإهداءات شاعر حمل حقيبة الشعر مع حقيبته الدبلوماسية تارة ومع حقائب وزارية تارة أخرى.
د. غازي القصيبي الذي التقيته في برنامجي «ستون دقيقة» والذي تحدث عن الرواية وعن شقة الحرية وعن ذاك الفتى الأغر الذي سحرته القاهرة بصخبها ودهاليزها ومقاهيها وآثارها، مازلت أتذكر كيف حبستُ أنفاسي وهو يقرأ الجزء الأخير من روايته أثناء الحلقة والذي أسدل الستار على مشهد بطله «فؤاد» وهو يحدق من شباك الطائرة بالقاهرة وهو يغادرها وقد بدأت تتلاشى وراء الأفق.
وأنا لا أملك إلا أن ألوح بكف القلب كلما مرت مركبتي بالقرب من وزارة العمل بالمرسلات الموقع الذي صورنا فيه الحلقة آنذاك، ألوح لأنفاس القصيبي التي بقيت هناك تذكر بالرجل، ولن أنسى قط حديثنا عن روايته التي كتبها مرتين بلسان رجل تارة وعلى لسان امرأة «رجل جاء وذهب»، «حكاية حب» القصيبي الذي جاء إلى حياتنا لكنه لم يذهب ولَم يرحل من دفاترنا وعباراتنا وذاكرتنا.
العلامة عبدالله بن خميس الذي التقيته في مركز الملك فهد الثقافي بفعالية ثقافية أقامتها وزارة الثقافة والإعلام آنذاك، وسعدت بدقائق من لقاء تلفزيوني سريع معه على القناة الإخبارية، كانت سعادتي كبيرة وأنا التقي من قرأت عنه وتتبعت خطوه، فهو يعتبر من مؤسسي الصحافة في المملكة ونجد تحديداً، وقد أصدر مجلة الجزيرة التي تحولت إلى صحيفة أعتز أنني إحدى كتّاب الرأي فيها.
الشيخ صالح الحصين -رحمه الله- عضو هيئة كبار العلماء ورئيس مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني كان لقائي التلفزيوني به نقطة تحول في مسيرتي الإعلامية وحياتي أيضاً، حيث تعلمت من هذا الرجل الجليل أهمية الحوار وضرورته في زمن يضع البعض أنفسهم في أبراج عاجية بعيداً عمن حولهم بحجج كثيرة، فديننا هو دين حوار ونوافذ مشرعة مع الآخر ترجمها عالِمٌ يشار له بالبنان ويرأس شئون المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف بلقائه مع سيدة تدير برنامجاً ثقافياً جاداً، فكان حضوره عبر برنامجي في التلفزيون السعودي رسالة ذات مضامين عدة، وبقيت أدين للمركز أن كان محطة مهمة في مسيرتي الإعلامية ورسالة حوار حملتها للعالم حيث توجهت أشرعتي.
الشيخ الكويتي عبدالرحمن السميط، معالي دناصر الدين الأسد من المملكة الأردنية الهاشمية والعلامة المغربي عبدالهادي التازي وغيرهم كثر ممن تشرفت بلقائهم.. مضوا تاركين حياة من الفكر وإرثا لا يستهان به من جهد ممتد عبر حياتهم الحافلة بالمجد والعطاء.