د.محمد بن عبدالرحمن البشر
لن يضاف جديد إذا ما قيل إن إيران تعاني مشكلة مالية واجتماعية واقتصادية كبرى، فهذا أمر معلوم يعلم به الجميع، وفي مقدمتهم الشعب الإيراني الذي يعيش الواقع، لكن هناك خطوات عملية اتخذها حكام إيران للحد من سخط الشعب الإيراني المغلوب على أمره.
لقد عملت الحكومة الإيرانية تعديلاً واسعاً في وزارتها، واللافت للنظر أن هذا التغيير شمل وزارات مالية وخدمية مثل وزارة المالية ووزارة الاقتصاد، وخدمية مثل وزارة الطرق، إضافة إلى وزارة العمل.
الناظر بعين البصير سيرى أن التغيير في تلك الوزارات إنما هو وسيلة من الوسائل التي يستخدمها حكام إيران لإقناع شعبهم أن القادم سيكون أفضل كما أنها تدل بما لا يدع مجال للشك أن الشعب الإيراني متذمر من وضعه الاقتصادي، لاسيما أنه مقبل على مقاطعة من دول كثيرة.
لو تحدثنا عن الخدمات نجد أن وضعها مزري، حتى لا تكاد ترى خدمة واحدة تعطى لو أبسط متطلبات الشعب الإيراني وطموحاته، ولم أسمع أن خدمة واحدة يمكنها إقناع الشعب الإيراني بقبولها بحدودها الدنيا.
الشعب الإيراني البائس يعلم أنه في حال سيئ من ناحية الخدمات، وأن القادم سيكون أسوأ طبقاً للمعطيات الموجودة، ولهذا فإن تغيير وزير هنا أو هناك لن يضيف إلى قناعتهم شيئاً جديداً يمكن التعويل عليه، واليوم تعرف أن أداتهم الوحيدة هي الصبر، لأن اليأس قد أخذ منهم كل مأخذ، ولم يعودوا يرون بريق أمل في ظل حكام إيران منذ قيام ثورتهم التي قامت قبل عقود مضت، وصاحبها الكثير من الدماء، والحروب والنزاعات الداخلية والخارجية مع الجيران، ومع الدول العظمى كما هي واقعة السفارة الأمريكية المعلومة.
ووضع الخدمات تجلى في سوء الطرق، والاتصالات والماء والكهرباء والخدمات الأخرى، بما فيها ماشاهدناه من سوء فاعلية أثناء عمليات الإنقاذ التي تتم بعد وقوع الكوارث الطبيعية التي ضربت إيران عدة مرات.
سوق العمل الإيراني يعتبر من أسوأ الأسواق في العالم، فالبطالة عالية جداً، وتزداد سوءاً والأمور متردية في وقت تزيد فيه الأسعار يومياً، مع ندرة في مجالات الوظائف سواء في القطاع الخاص او القطاع الحكومي، والأسوأ أن المتعلمين والمتخصصين في مجالات نادرة يصعب عليهم الحصول على وظيفة، يتقاضون بها على أجور تغطي تكاليف متطلباتهم الأساسية.
الحقيقة إن سوق العمل الإيراني يعتمد على النشاطات الفردية، والخدمات التي يقدمها الإفراد لبعضهم البعض، ولهذا فإن كثير من المنشآت لا يمكنها استيعاب سوى عدد محدود من الأيدي العاملة، ماعدا المنشآت الحكومية التي توطف الكثير من الأفراد لمجرد التوظيف، ولهذا فإن البطالة المقنعة هي الأكثر شيوعاً في المنشآت الحكومية، وهي من أسوأ الظواهر الاقتصادية والاجتماعية التي يمكن أن تتعرض لها بلد بعينه.
المساعدات الاجتماعية لمن لم يستطيعون العمل، غير موجودة، فأصبح البعض عاله على البعض الآخر، ولا شك أن البطالة إذا ما استمرت فترة من الزمن بين الشباب وغيرهم سواء الرجال أو النساء تؤدي بلا شك إلى توجهات سلوكية غير محمودة، كما أن المشاكل الاجتماعية بين الأسرة الواسعة، أو داخل الأسرة الصغيرة يزداد إتساعاً.
الريف الإيراني يعاني الكثير من المشاكل وأفراده أقل المجتمعات الإيرانية مستوى غير أنهم يقتاتون من إنتاجهم ويكتفون بما ينتجون فيعيشون بعيداً عن كل ما يجري في المدن الإيرانية، أو ما يدور في العالم أجمع، ومن المؤكد أنهم يفتقرون إلى الخدمات العامة بما فيها الخدمات الصحية، ناهيك عن الماء النظيف والكهرباء وغيرها.
بدأت إيران ببيع نفطها على شركات ومؤسسات خاصة تهرباً من المقاطعة، كما أنها باعت في الأسواق الحرة كميات كبيرة من نفطها وبأسعار منخفضة، وهي في الواقع تواجه مشكلة كبيرة تضاف إلى مشاكلها الموروثة.
إيران ستحاول بشتى السبل الوصول إلى طريقة لبيع نفطها وهي خبيرة في كيفية بيع نفطها بطرق غير نظامية لكونها قد تعرضت لمقاطعة سابقة وزرع عدد من الأعوان والمؤسسات في دول مختلفة لتمرر من خلالها كميات نفطها.
لاشك أن انخفاض إنتاج إيراني النفطي، وانخفاض سعر البرميل الواحد المنتج من الحقول الإيرانية سيؤدي إلى نقص كبير في العملة الصعبة، وسيزيد وضعها المالي سوءاً إلى ما ناله من سوء سابق، والواقع أن نقص العملة الصعبة سيضغط على الريال الإيراني، وسيؤدي ذلك إلى إنخفاض هائل في العملة الإيرانية، لن يجدي معه أي أسلوب أو تدبير تتخذه الحكومة الإيرانية، لذا فإن التضخم قادم لا محاله، وهي من أسوأ النتائج الاقتصادية التي تمر بها اقتصاديات الدول.
كان يمكن لحكام إيران تجنب هذا الواقع المرعب، لو أنهم لم يتدخلوا في شئون الدول الأخرى لاسيما المجاورة، ولو أنهم لم يدعموا المليشيات المنتشرة في أماكن عديدة، مثل لبنان واليمن، ولو أنهم جنحوا إلى السلم، ولم يحاولوا نشر أيدولويجتهم، وبوسائلهم المتعددة.
حكام إيران لا يدفعون الثمن، وإنما يدفعه الشعب الإيراني الذي يعاني وما زال يعاني من الأخطاء المتراكمة لحكامه.