د.فهد بن إبراهيم الجمعة
لقد حث دين الإسلام على الحفاظ على أمن واستقرار الأوطان، واعتبر ذلك من شروط الإيمان، فإن نعمة الأمن لها علاقة وطيدة بنهضة الوطن ورقيه، فإذا عمّ الأمن البلاد أصبح كل فرد منتجاً وفاعلاً، وفي ظل انعدام الأمن لا تنهض أمة ولا تقوم حضارة.
ولذلك يجب الحذر من الدعوات الخطيرة التي تدعو إلى التكفير والتفجير وزعزعة أمن واستقرار الأوطان، وعلى ولاة الأمر -وفقهم الله- فرض عقوبات رادعة والضرب بيد من حديد لكل من تسول له نفسه العمل على زعزعة الأمن وانتشار الفوضى في بلادنا -حرسها الله-.
إن الأمن والأمان من أهم دعائم المجتمعات ووسائل استقرارها، فلا استقرار ولا اقتصاد بلا أمن، ولا نهضة ولا رقي ولا تقدم ولا ازدهار بلا أمن، لذا دعا سيدنا إبراهيم عليه السلام لمستقر ولده إسماعيل وزوجه هاجر أول ما دعا بالأمن والأمان، فقال عليه الصلاة السلام كما أخبر الله جل وعلا: (... رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ...)، فدعا للمكان أن يكون بلداً وأن يكون آمناً وأن يرزق أهله من الثمرات حتى يحقق لهم الأمن الغذائي والنفسي إلى جانب الأمن العام.
ولأهمية الأمن في حياة الأوطان، أقسم به الرب سبحانه وتعالى فقال: (وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ * وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ)، ويقول نبينا صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «من أصبح آمناً في سربه، معافى في بدنه، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها» رواه البخاري في الأدب المفرد.
وقد اعتبر الإسلام حرص الإنسان على توفير الأمن للآخرين ووفائه بذلك شرطاً من شروط الإيمان.
ومن وسائل المحافظة على نعمة الأمن والاستقرار، تحقيق العدل بين جميع أبناء الوطن، فإن الله -عز وجل- ينصر الأمة العادلة ولو كانت كافرة، ولا ينصر الأمة الظالمة ولو كانت مسلمة، كما قال ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، والمقصود بالعدل هو تحقيق العدل في جميع جوانبه من العدل في الحكم، إلى العدل في القول، والقسمة، وتوزيع الثروات والحصول على فرص العمل، وتكافؤ الفرص في الصحة والتعليم والرعاية الاجتماعية، كما أن من وسائل المحافظة على نعمة الأمن والاستقرار، تطبيق القانون بحسم على الصغير والكبير دون تردد أو مجاملة أو محسوبية، يقول نبينا صلى الله عليه وسلم: «إنما أهلك من كان قبلكم أنه كان إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الوضيع أقاموا عليه الحد». رواه البخاري في صحيحه.
وإذا كانت الأمة عادلة كانت عزيزة، فقد ذكرت كتب التاريخ أنه لما استُخلف عمر بن عبدالعزيز -رحمه الله- وفد عليه قومٌ من أهل سمرقند رفعوا إليه أن قتيبة (قائد جيش الفتح الإسلامي) دخل مدينتهم وأسكنها المسلمين على غدر، فأمر عمر بن عبدالعزيز عندها بعقد محكمة للنظر في تلك الشكوى ويكون مقرها سمرقند نفسها، وأقيمت المحكمة وأصدر القاضي المسلم حكما بإخراج المسلمين من سمرقند لأنهم دخلوها ولم يخيروا أهلها بين الإسلام أو الجزية أو الحرب، ليذهل أهل سمرقند من هذا العدل، ولتكون عاقبة هذا العدل الإسلامي دخول أهل سمرقند في دين الله.
وقد شرع الإسلام من الأحكام ما يحافظ على النفس والمال والعرض، فشرع القصاص لحفظ النفس، وحد السرقة لحفظ المال، وحد الزنا وحد القذف لحفظ العرض، وحد الحرابة للمفسدين في الأرض، فقال سبحانه: إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ .
وشدد على أهمية نشر قيم التكافل والتراحم بين جميع أبناء الوطن، فوطن لا تراحم فيه لا يمكن أن يكون آمناً، فنحن جميعاً في سفينة واحدة، يقول نبينا صلى الله عليه وعلى آله وسلم:
«مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً». رواه البخاري.
فالأمن والاستقرار إذا عمّ البلاد، وألقى بظله على الناس، أَمن الناس على دينهم وأنفسهم وعقولهم وأموالهم وأعراضهم ومحارمهم، وفي رحاب الأمن وظله تعم الطمأنينة النفوس، ويسودها الهدوء، وتعمها السعادة، فمكانة الأمن كبيرة، ولذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل شهر جديد ورأى هلاله سأل الله أن يجعله شهر أمن وأمان، فيقول: «اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان، والسلامة والإسلام» رواه الترمذي.
وبسبب وجود الأمن تحقَن الدماء، وتصان الأموال والأعراض، وتنام العيون، وتطمئن المضاجع، ويتنعم بسبب ذلك الكبير والصغير والإنسان والحيوان، فالأمن مِن نعم الله العظمى وآلائه الكبرى، لا تصلح الحياة إلا به، ولا يطيب العيش إلا باستتبابه، فلو سُلب الأمن من بلد ما، فتصور كيف يكون حال أهله؟!
ويجب الحذر من الدعوات الخطيرة التي تدعو إلى التكفير والتفجير وزعزعة الأمن، ويجب على ولاة الأمر -وفقهم الله- فرض عقوبات رادعة والضرب بيد من حديد لكل من تسول له نفسه العمل على زعزعة الأمن وانتشار الفوضى في بلادنا المباركة حرسها الله من كل سوء ومكروه.
إن من آليات تحقيق الأمن، نشر ثقافة الأمن والسلم، فنحن جميعاً في حاجة إلى قيم الأمن والسلم والتسامح بكل أبعادها مما يحتم على الجميع نشر هذه القيم في المجتمع والبيت والمدرسة، ولهذا كانت تحية الإسلام «السلام عليكم»، ومن آليات تحقيق الأمن أيضاً الاعتدال والوسطية واجتناب التطرف.
ويجب التعاون المجتمعي في كشف المفسدين والمخربين والضرب على أيديهم بيد من حديد، يقول نبينا صلى الله عليه وسلم:
«انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً، فقال رجل يا رسول الله: أنصره مظلوماً أفرأيت إذا كان ظالماً كيف أنصره؟ قال الرسول صلى الله عليه وسلم: تحجزه أو تمنعه من الظلم فإن ذلك نصره» رواه البخاري، وهنا نؤكد أن الإسلام نهى عن كل ألوان الإفساد في الأرض، فالإفساد والاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة أو تعطيل الطرق أو الدعوة إلى تعطيل مسيرة الحياة وكل ما يضر مصالح الوطن مما لا يقره دين ولا خلق ولا عقل سليم، ويجب على المجتمع أن يقف صفاً واحداً في مواجهة هذا الفساد، وأن يقف صفاً واحداً أمام كل وجوه وألوان الفساد والإفساد في الأرض، كل يؤدي دوره من باب قول نبينا صلى الله عليه وسلم: «من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان» رواه مسلم.
ويجب الحذر من الشائعات التي تهدف إلى زعزعة الأمن والاستقرار في بلادنا المباركة، بلاد الحرمين الشريفين، وقبلة المسلمين، ويجب التمسك بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، والاعتصام بحبل الله وعدم التفرق، أو التنازع، والله سبحانه وتعالى يقول: (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا)، ويقول سبحانه: (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين)، ويجب السمع والطاعة بالمعروف لولاة أمرنا وفقهم الله لكل خير، وأن نكون صفاً واحداً ضد كل من تسوّل له نفسه المساس بأمن بلادنا، ويجب الحذر من تنقص العلماء والدعاة والكلام فيهم أمام الناس، فهذا مما يفقدهم الهيبة، ولا يقوم بذلك إلا جاهل أو صاحب هوى.
ولنعلم جميعاً أن حب الوطن ليس كلمات تقال، ولا شعارات ترفع، بل هو تطبيق وسلوك وعمل، يقول أهل الأدب: «إذا أردت أن تعرف الرجل فانظر كيف تحننه إلى أوطانه، وتشوقه إلى إخوانه، وبكاؤه على ما مضى من زمانه»، فالوطنية عقيدة فكرية يجب غرسها في نفوس أبنائنا، فالإسلام يشجع على حب الوطن، ويوجب الدفاع عنه، ولذا شرع الجهاد في سبيل الله دفاعاً عن الدين والأهل والوطن والأرض والعرض، فالدفاع عن الدين والوطن واجب ومطلب شرعي، ولذا لا تسكت ولا تحايد ولا تكن رمادياً، فهذا هو وقت المواقف الواضحة، وقمة الحياد هو أن تنحاز إلى وطنك وولاة أمرك.
وأهيب بإخواني الدعاة والخطباء الأفاضل بأن ينشروا الوعي في المجتمع بأهمية اللحمة الوطنية وضرورة التماسك والتكاتف بين أفراد المجتمع والسمع والطاعة لولاة الأمر فيما يأمرون به وما ينهون عنه في المعروف، حتى ننعم بإذن الله بالأمن والاستقرار في بلادنا وتحت ظل قيادتنا الرشيدة.