عبدالعزيز السماري
كان المسلمون الأوائل أول من حاول تقديم منهج لقياس مصداقية المرء، وكان يستند إلى سمات دينية ودنيوية، واستخدم المنهج فقط في فحص مصداقية رواة الحديث، وكان على الرغم من استخدامه الضيّق في فحص مصداقية الرواة إلا أنه كان مدخلاً تاريخياً لتعزيز مفهوم المصداقية في المجتمع، وقد تطور مفهومها عبر الملاحظات والخبرات المتواصلة، وأصبح يقوم على مكونين رئيسيين هما: الموثوقية والخبرة، وتستند الجدارة بالثقة إلى عوامل ذاتية، لكنها يمكن أن تتضمن قياسات موضوعية لفحص ثبات سمة الموثوقية، ويمكن النظر إلى الخبرة بنفس الموضوعية ذاتها..
ومن أجل فهم أكثر للمصداقية، خذ لحظة للتفكير في أفضل مدير عملت تحت إدارته، وما هي الخصائص التي تجعلك تشعر بأن رئيسك هو القائد المثالي أو المدير الناجح؟ وهل كانت الذكاء، والكاريزما، والكفاءة، والرؤية، والصدق والقدرة على الابتكار والتطوير، وخذ لحظة أخرى للتفكير في أسوأ رئيس كنت قد عملت معه، وهل كانت أي من هذه الخصائص؟ لذلك يبدو أن معادلة الصدق + الرؤية + الكفاءة + الابتكار = المصداقية، وإذا قمت بإزالة أي سمة واحدة في المعادلة، ستتأثر النتيجة، فالمصداقية ببساطة مجموع معادلة رياضية إدارية ومكوناتها سمات إنسانية ثابتة..
ألقت دراسة بعض الضوء على مفهوم المصداقية بتوزيع خمسة وسبعين ألف استبيان، وطلبوا الصفات السبع الأكثر إثارة للإعجاب في مدير، فكانت النتائج متسقة مع أربع صفات كسبت أكثر من خمسين في المئة من الأصوات، وهي الصدق، والنزاهة، والكفاءة، والابتكار.. قال الجنرال ايزنهاور ذات مرة: الجودة العليا للمدير هي النزاهة بلا شك وبدونها لا يمكن تحقيق أي نجاح حقيقي، بغض النظر إن كان ذلك في إدارة قسم، أو حكم لمباراة رياضية أو في مكتب لإدارة شركة.
يريد الموظفون أن يصدقوا مدراءهم، ويرغبون في وجود تطابق بين كلماتهم وسلوكهم، ونقيضه: «افعل ما أقول، ليس كما أفعل»، ومثال ذلك أن فترات الغداء في المؤسسة لا تتجاوز 30 دقيقة، لكن مدير القسم يخرق هذه السياسة باستمرار، بينما يدير في الوقت ذاته نظامًا صارمًا للموظفين الذين ينتهكون السياسة نفسها، في مثال آخر، أن يقف مدير تنفيذي لمصنع أمام إداراته ويروج لمزايا استخدام معدات السلامة المناسبة، واتباع جميع تعليمات العمل خطوة بخطوة، ولكن لا يرتدي نظارة الأمان ولا يتبع تعليمات العمل مطلقًا، فكم من الوقت يستغرق الأمر قبل أن يفشل الموظفون في رؤية مصداقية في هذا المدير؟
يعزّز وجود مدير ذي مصداقية مواقف العمل الإيجابية في مكان العمل، ومنها العمل الجماعي، والمسؤولية الشخصية، والمواءمة بين الأهداف، وارتفاع معدلات النجاح، وتختزلها المقولة الشهيرة «لا تنهى عن خلق وتأتي مثله»، وهو ما يعني أهمية استدعاء المصداقية وسماتها في أماكن العمل، وذلك لأهميتها القصوى في رفع مستويات الثقة في الشركة أو المؤسسة أو المصنع وغيرها، والوصول إلى الأهداف من أقصر الطرق..
الشفافية كلمة السر في مفتاح المصداقية المتزايدة التي يتمتع بها المرء، والموثوقية التي تأتي معها، وهي بنفس القدر من الأهمية، ومن خلالهما تكون فلسفة القيادة بمثابة بوصلة داخلية تقرّر متى تقول «نعم» ومتى تقول «لا»، وستقوم بمواءمة أفعالك مع معتقداتك، وستشعر بالرضا عمَّا تفعله، ولن تشعر أبدًا بأنك تخون مبادئك ومصداقيتك أمام موظفيك..