هدى بنت فهد المعجل
(في المصطلح المسيحي يعد الموت تعبيرًا حقًا عن حالة لأعمق التمزّقات الروحية، بيد أن الشفاء ببساطة هو أن نموت، نموت «عن العالم»). هكذا يفتتح سورين كيركجارد كتابه المرض طريق الموات، معتبراً أن كل ما يدخل في فئة المعاناة البشرية الدنيوية الزمنية: كالحاجة، والمرض، والبؤس، والمعاناة، والمصائب، والعذابات، والآلام النفسية، والحزن العميق، والأسى، كلها ليس المرض المؤدي للموت. حتى لو كانت هذه الأشياء من الشدة بمكان وجدُّ مؤلمة حتى أننا نحن البشر، أو على الأقل من يتعذب ويعاني، سيصرخ «هذا أسوأ من الموت، ليست المرض المؤدي للموت.
لذا لو لم يكن المرء تركيبة لما كان اليأس على الإطلاق، كذا لا يستطيع أن ييأس إن لم تكن التركيبة في حالتها الأصلية كما خلقها الله في أفضل علاقة وأحسن تكوين.
في كل لحظة يأس فعلية يحمل الشخص اليائس كل الماضي بوصفه حاضر بالإمكانية، حيث إنه في كل لحظة يأس يعيشها يجلب إلى نفسه اليأس.
لدى كيركجارد مفهوم المرض طريق الموات، يعني مرض حيث النهاية والنتيجة هي الموت. لذا يرى أننا نستخدم تعبيرات «مرض الموت» أو «المرض القاتل». وكأنهما مرادفان للمرض طريق الموات. الموت نهاية المرض، ولكنه ليس النهاية. لمعرفة المرض طريق الموات بالمعنى الصحيح فلا بد أنه مرض نهايته الموت والموت هو النهاية. وهذا تحديدًا هو اليأس. ذلك لأن المرض على طريق الموت يعني لا يستطيع أن يموت، ولا يعني هذا أن ثمة أمل في الحياة. فاليأس، كما يعتقد كيركجارد هو: المرض طريق الموات، مرض النفس أن تظل دائمًا أبدًا تموت، تموت بيد أنك لا تموت، أي أن يموت الموت. قيمة المرارة أو النار الباردة في اليأس، إنه هذا الضيم المستمر الذي يتوغل في الأعماق في محاولة بائسة عقيمة لالتهام النفس والتهام ذاته.
اليأس قد نرفعه إلى سلطة أعلى، هو الحمى المتصاعدة، هو مرض النفس البارد. فمن هو في حالة يأس: يعني أنه يلتهم نفسه.
في كتابه «المرض طريق الموات» اشتغل كير كيجارد على اليأس، فنحن عندما نيأس لأننا لم نحصل على الشيء، لا نيأس من عدم حصولنا عليه، إنما من عدم قدرة نفسنا على الحصول عليها. اليأس من شيء ليس اليأس الحقيقي، إنه بداية كالمرض الذي لم يظهر أو لم يكشف عن نفسه بعد. أن نيأس من نفسنا، أي في اليأس نريد أن نتخلص من ذاتنا، هي صيغة لكل أنواع اليأس. نحزن على شيء لا يستحق الحزن مثلاً ونريد أن لا نحزن، أن نتخلص من الحزن ولا نستطيع، بمعنى نيأس من نفسنا من قدرتها على التخلص من الحزن، نيأس من ذاتنا. بعبارة أدق: الشخص اليأس يحاول يائساً أن يكون نفسه، بذلك هو لا يريد التخلص من نفسه. بفحص دقيق النفس التي يريد أن يكونها في الحقيقة هي نفس ليست نفسه. تخليص نفسه من النفس التي هي هو من أجل أن يكون النفس التي حلم بها.
الشخص اليائس على شفا الموت أبدًا. الموات هو النهاية المستمرة أبدًا. يحتاج الإنسان إلى إيمان عظيم كي يتمكن من تحمل التفكير في لا شيء، أي التفكير اللا نهائي.
يرى كيركيجارد أن حياة الإنسان تضيع إن استمر مخدوعًا بأفراح الحياة أو بأتراحها بحيث لا يدرك بوضوح وإلى الأبد روحه، ونفسه. لذا كلما ازداد الوعي، وجدت النفس، وكلما ازداد الوعي، ازدادت الإرادة، وكلما ازدادت الإرادة، زادت النفس. الشخص بلا إرادة على الإطلاق ليس نفسًا. كلما ازدادت إرادته ازداد وعيه بنفسه أيضًا. بالتالي الخيال هو وسيط عملية اللا نهائية. الخيال تفكير تأملي لا نهائي. بينما العلاقة مع الله علاقة لا نهائية لكن في الخيال، قد يأخذ هذا اللانهائي الإنسان فيجعله يشطح ويصل به إلى حد النشوة. بينما اليأس المحدود هو افتقاد اللا محدود. أو بتعبير آخر حدة وشدة اليأس تتناسب طرديًا مع زيادة الشعور والوعي، أي أنه ازدادت درجة الوعي والشعور ازدادت حدة اليأس. بالتالي ما يخشاه البشر أكثر من أي شيء هو أن يكونوا على خطأ. قد يكون المرء محقًا بخصوص حالته اليائسة عندما يقول أنا يائس، لكن هذا لا يعني أن مفهومه عن اليأس حقيقي.
إذاً الخلاصة: أن التوق إلى الاعتزال علامة على وجود روح في المرء، وهو مقياس لماهية هذه الروح. وحماية لها من المرض طريق الموات.